سوف يستأصل أهل العناد والتضليل ، فكانوا يخافون على أنفسهم وعلى انهيار حكمهم منه ، لذا كانوا يقتفون أثره عن طريق الحوامل ، فكل حبلى أولدت ذكرا قتلوه ، هذا مضافا إلى ملاحقته بالبحث عنه ليقتلوه ، وعليه فكيف لا يختبأ من هؤلاء دفعا للضرر المتوجه إليه من الأعداء؟
(٢) إن استتاره عنهم ليس بخارج عن العرف والعقلاء ، ولا مخالفا لحكم العادات ، بل الاستتار كان سيرة الملوك والعظماء في أولادهم بل كان هذا عند البسطاء أو السّوقة من الناس ، لأسباب تقتضي ذلك لا شبهة فيها على العقلاء منها : أن يكون للإنسان ولد من جارية قد استتر تملّكها من زوجته وأهله ، فتحمل منه فيخفي ذلك عن كلّ من يشفق منه أن يذكره ، ويستره عمّن لا يأمن إذاعة الخبر به ، لئلا يفسد الأمر عليه مع زوجته بأهلها وأنصارها ، ثم إذا زال الخوف من الإخبار عنه ، أو حان وقت وفاته ، يعلن عنه ويعرّف به تحرّجا من تضييع نسبه ، وإيثارا لوصوله إلى مستحقه من ميراثه.
وقد يولد للملك ولد ولا يؤذن به حتى يترعرع ، فإن رآه على الصورة التي تعجبه يخلعن عنه وإلّا فلا ، وقد ذكر الناس عن جماعة من ملوك الفرس والروم والهند ، فسطروا أخبارهم في ذلك ، وأثبتوا قصة كيخسرو بن سياوخش بن كيقاوس ملك الفرس الذي جمع ملك بابل والمشرق وما كان من ستر أمّه حملها وإخفاء ولادتها لكيخسرو ، والخبر بأمره مشهور وسبب ستره وإخفاء شخصه معروف ، قد ذكره علماء الفرس وأثبته محمد بن جرير الطبري في كتابه تاريخ الأمم والملوك (١).
وقد اشتهر عن بعض الملوك إخفاءهم بعض أولادهم لضرب من التدبير في إقامة خلفاء لهم ، وامتحان جندهم بذلك في طاعتهم ، وغير ذلك مما يكثر تعداده من أسباب ستر الأولاد وإظهار موتهم واستتار الملوك أنفسهم ، والإرجاف
__________________
(١) فليراجع : تاريخ الطبري ج ١ / ٣٥٧.