وهكذا كان في القرآن ناسخ ومنسوخ وعام وخاص ، وإطلاق وتقييد ومحكم ومتشابه ، وليس لأحد التسرع إلى الأخذ بآية حتى يعرف نوعيتها ، كما ورد التنبيه على ذلك في أحاديث مستفيضة عن أئمة الدين عليهمالسلام ، قال أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام لقاض مرّ عليه : هل تعرف الناسخ من المنسوخ؟
فقال القاضي : لا ، فقال عليهالسلام : إذن هلكت وأهلكت (١).
الشبهة الثالثة :
ما هي الفائدة المتوخاة وراء ثبت آية في المصحف ، هي منسوخة الحكم ، لتبقى مجرد ألفاظ يلوكها القرّاء عبر القرون؟
الجواب :
١ ـ لا تنحصر فائدة آية قرآنية في الحكم التشريعي فحسب ، بل التشريع هدف واحد من أهداف كثيرة ومتنوعة نزل لأجلها القرآن الكريم ، فنزول آية في حكم ثم نسخه بآية أخرى لا يلغي ـ حسبما قدّمنا سابقا ـ كل الخصوصيات الأخرى لا سيّما أن للقرآن ظهورا وبطونا متعددة ، فإذا انتفى ظهر لا يعني انتفاء بقية الظهور والبطون.
٢ ـ آيات كثيرة نزلت في ظروف معيّنة ، ولمناسبات خاصة وأحداث وقتية لا تعم الأجيال والأعصار ، ولا أثر لها ـ فيما عدا الإعجاز والتحدي ـ سوى الدلالة على مراحل اجتازتها الدعوة الإسلامية ، والأحداث التي مرت عليها ، وهي من أكبر الفوائد الباقية كنصوص تاريخية ثابتة تعيّن لنا مراحل اجتازها سير الزمن في الغابر لتكون عبرة للحاضر والآتي ، وهذه الآيات نظير الآيات التي تحدثت عن قصص الماضين وأبلت أخبارهم ، ليأخذ المؤمن منها العبرة والعظة.
فالتأمل في مراحل التشريع الإسلامي من مرحلة إلى مرحلة حسب استعداد
__________________
(١) بحار الأنوار ج ٩٢ / ٩٥ والاتقان ج ٢ / ٤٤ في «ناسخه ومنسوخه».