سليم بن قيس ومن بعده إلى القرن الحادي عشر وما بعده بل إلى يومنا كلّ كتب الشيعة التي عنيت بأحوال الأئمة وأبيهم الآية الكبرى وأمّهم الصدّيقة الزهراء صلوات الله عليهم أجمعين وكل من ترجم لهم وألّف كتابا فيهم ، أطبقت كلمتهم تقريبا أو تحقيقا في ذكر مصائب تلك البعضة الطاهرة أنها بعد رحلة أبيها المصطفى ضرب الظالمون وجهها ولطموا خدّها حتى احمرّت عينها وتناثر قرطها وعصرت بالباب حتى كسر ضلعها وأسقطت جنينها وماتت وفي عضدها كالدملج ، ثم أخذ شعراء أهل البيت سلام الله عليهم هذه القضايا والرزايا ونظموها في أشعارهم ومراثيهم وأرسلوها إرسال المسلّمات من الكميت والسيّد الحميري ودعبل الخزاعي والنميري والسّلامي وديك الجن ومن بعدهم ومن قبلهم إلى هذا العصر ، وتوسّع أعاظم شعراء الشيعة في القرن الثالث عشر والرابع عشر الذي نحن فيه كالخطي والكعبي والكوّازين وآل السيّد مهدي الحلّيين وغيرهم ممن يعسر تعدادهم ويفوت الحصر جمعهم وآحادهم ، وكل تلك الفجائع والفظائع وإن كانت في غاية الفظاعة والشناعة ومن موجبات الوحشة والدهشة ولكن يمكن للعقل أنّ يجوزها وللأذهان والوجدان أن يستسيغها ، وللأفكار أن تقيلها [تقبلها : ظ] وتهضمها ولا سيّما وأنّ القوم قد اقترفوا في قضية الخلافة وغصب المنصب الإلهي من أهله ما يعدّ أعظم وأفظع.
ولكن قضية ضرب الزهراء ولطم خدها مما لا يكاد يقبله وجداني ويتقبّله عقلي ويقتنع به مشاعري ، لا لأن القوم يتحرجون ويتورّعون من هذه الجرأة العظيمة بل لأن السجايا العربية والتقاليد الجاهلية التي ركزتها الشريعة الإسلامية وزادتها تأييدا وتأكيدا تمنع بشدّة أن تضرب المرأة أو تمدّ إليها يد سوء ، حتى إنّ في بعض كلمات أمير المؤمنين عليهالسلام ما معناه : أنّ الرجل كان في الجاهلية إذا ضرب المرأة يبقى ذلك عارا في أعقابه ونسله.
ويدلّك على تركّز هذه الركيزة بل الغريزة في المسلمين وأنها لم تفلت من أيديهم وإن فلت منهم الإسلام ، إنّ ابن زياد وهو من تعرف في الجرأة على الله