واعترض أصحاب مالك على الشافعية بأن حديث عائشة هذا لا يحتج به ..» (١).
وهكذا أبو محمد ابن حزم استدل على هذا النوع من النسخ بما روي عن عائشة أيضا (٢).
قال السرخسي : «وحديث عائشة لا يكاد يصح لأن الراوي قال في ذلك الحديث : وكانت الصحيفة تحت السرير فاشتغلنا بدفن رسول الله فدخل داجن البيت فأكله ، ومعلوم أن بهذا لا ينعدم حفظه من القلوب ، ولا يتعذر عليهم إثباته في صحيفة أخرى ، فعرفنا أنه لا أصل لهذا الحديث» (٣).
لكنّ ذيل حديثه ينقض صدره من حيث نفيه لأصل الحديث تبرئة منه لساحة عائشة من نسبتها النقص للقرآن ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ، فحيثما يأت الحديث عن كبرائه وساداته كغيره من علماء العامة فإنه يحار بتوجيه كلماتهم ولكنّه وأمثاله عند ما تصل النوبة إلى أهل بيت محمّد تراهم كما قال تعالى : (وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً) (٤).
وهذا النوع مجمع على بطلانه لكونه ثابتا بأخبار آحاد لا تفيد علما ولا عملا ، فكما أن القرآن لا يثبت الخبر الواحد ، كذا لا يثبت النسخ بخبر الواحد أيضا : «لأنّ الأمور المهمة التي جرت العادة بشيوعها بين الناس ـ لا سيّما كهذه المسألة ـ وانتشار الخبر عنها على فرض وجودها لا تثبت بخبر الواحد ، فإن اختصاص نقلها ببعض دون بعض بنفسه دليل على كذب الراوي أو خطئه ، وعليه فكيف يثبت بخبر الواحد أن آية الرجم وأمثالها من القرآن ، وأنها قد نسخت تلاوتها وبقي حكمها» (٥) أو نسخت تلاوتها وحكمها معا؟!
__________________
(١) شرح النووي على صحيح مسلم ج ١٠ / ٢٦.
(٢) المحلى لابن حزم ج ١٠ / ١٥.
(٣) أصول السرخسي ج ٢ / ٧٨.
(٤) سورة نوح : ٧.
(٥) البيان ص ٢٨٥.