كلّ همّهم الحصول على النفائس وصوافي الغنائم والاختصاص بالحسناوات من النساء بعنوان سبايا وجواري ... وعلى كلّ حال فإنّ الحرب من أجل بسط نفوذهم وتقوية أمورهم ، فصاروا يجمعون الأنصار بالمال وبالإغراء بالمناصب وبغير ذلك من سياسات ليس الترهيب والقمع في كثير من الأحيان إلّا واحدا منها ..
إذن ، فالحرب من أجل الغنائم والأموال كانت هي الصفة المميّزة لأكثر تلك الفتوحات ، ويشهد لهذا ما فعلوه بأمير المؤمنين عليهالسلام ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مسجّى على الفراش ، ثم انتهاكهم لحرمة ابنته الزهراء البتول ومنعها من الخمس واغتصابهم لفدك وغير ذلك لأكبر شاهد على ما قلنا. هذا مضافا إلى أنّ ظاهرة الطمع في الأموال والنفائس كانت سائدة بين بعض المسلمين على عهد رسول الله ممّا سبّب انكسار المسلمين في معركة أحد ، وبقيت هذه الظاهرة إلى ما بعد وفاة النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل لا نبالغ إذا ما قلنا أنها ازدادت عمّا كانت عليه في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
الثاني : إنّ ضعف الإيمان في نفوس المسلمين وعدم معرفتهم بأكثر أحكام دينهم استدعى عدم مشاركته عليهالسلام في تلك الفتوحات ، هذا علاوة على أنّه لم يأمر أحدا من أصحابه بالمشاركة فيها ، لأنّ مهمّته عليهالسلام وأصحابه معه هي تثقيف الناس بعقائدهم وتثبيت الإيمان في نفوسهم ونشر فكر الإسلام الصحيح للأمّة ، وللمتصدّين لإدارة شئونها على حدّ سواء وقد نوّه بذلكعليهالسلام في خطبة له فقال : «أيّها الناس ، خذوها عن خاتم النبيّين صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه يموت من مات منّا وليس بميّت ... ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر وأترك فيكم الثقل الأصغر ، قد ركزت فيكم راية الإيمان ووقفتكم على حدود الحلال والحرام وألبستكم العافية من عدلي ، وفرشتكم المعروف من قولي وفعلي ، وأريتكم كرائم الأخلاق من نفسي ، فلا تستعملوا الرأي فيما لا يدرك قعره البصر ولا تتغلغل إليه الفكر ...» (١).
__________________
(١) نهج البلاغة ج ١ / ١٥٣ (الخطبة ٨٣) بشرح محمد عبده ، و (الخطبة ٨٧) بشرح صبحي الصالح.