انبهر أصحاب تلك الفتوحات بالمناصب التي كانوا فيها ، وأسالت لعابهم الجواري الحسان ، وتملك البلدان ، فشمخ كل منهم بأنفه ، ونظر في عطفه ، وتكبّر وتجبّر ، لأنه لم يتعامل مع الواقع الجديد بعقلية الرجل المسلم الواعي والهادف ، بل بعقلية الجاهلية ، التي تعتبر القبيلة لا الأمة أساسا ، والفرد لا الجماعة ميزانا ومنطلقا لتعامله مع الآخرين ، فكان جلّ اهتمامهم بتقوية أمرهم ، وتثبيت سلطانهم ، فصاروا يجمعون الأنصار بالمال وبالإغراء بالمناصب وغير ذلك من سياسات ، ليس الترهيب والقمع في كثير من الأحيان إلّا واحدا منها ، واستمروا في بسط نفوذهم وسلطانهم على أساس أنه ملك قبلي.
«وإذا كان أبو بكر ، وكذلك عمر لا يدري : أخليفة هو أم ملك ، فإن معاوية بن أبي سفيان كان يعتبر نفسه ملكا بالفعل ، وكذلك كان يعتبره الكثيرون ، بل أن عمر نفسه قد اعتبر نفسه ملكا في بعض المناسبات».
لقد اعتبر معاوية والأمويون أنفسهم ملوكا قيصريين ، وأن الدين عندهم مجرد شعار يخدم هذا الملك ويقويه ، وكل ما كان مانعا من الوصول إلى ما يبتغون ، كانوا يدمرونه ويستأصلونه من جذوره.
فالمستفيدون الحقيقيون من تلك الفتوحات هم خصوص هذه الطبقة من المترفين المتجبّرين من أدعياء الإسلام ، كانوا يكيدون للإسلام باسمه ، فهم أصحاب القرار لذا عبّر العامة عنهم ب «أهل الحل والعقد» يحلّون ويعقّدون بأنفسهم من دون استشارة أحد من المسلمين ، لأن القرار بأيديهم ، والله تعالى سلّطهم على عبيده فهم خدم عندهم لا يلوون على شيء إلا بإشارتهم ، فهذا النمط من الحكّام هم المستفيدون حقا ، لذا قد بلغت الثروات في عهد الخلفاء الثلاثة الأول أرقاما خيالية ، حسبما أفادت النصوص التاريخية (١) ، فقد نجد أن عمر بن الخطّاب الذي يقال عنه أنه من أزهد الناس ـ وربّ قول مشهور لا أساس له ـ وأنه
__________________
(١) الغدير ج ٨ / ٢٣٤ ـ ٢٨٩ ، التراتيب الإدارية ج ٢ / ٣٢ وما بعدها ، والبداية والنهاية ج ٧ / ١٦٤.