مسعود وهو في منصرم عمره ، ويسأل ربه أن يأخذ له منه بحقه ، ثم يتوجه إلى النعيم الخالد معرضا عن الحطام الزائل ، موصيا بأن لا يصلّي عليه من نال منه ذلك النيل الفجيع. لما ذا فعل به هذا؟ ولما ذا شتم على رءوس الأشهاد؟ ولما ذا أخرج من مسجد رسول الله مهانا عنفا ، ولما ذا ضرب به الأرض فدقّت أضالعه؟ ولما بطشوا به بطش الجبارين؟!
كل ذلك لأنه امتنع عن أن يبيح للوليد بن عقبة الخالع الماجن من بيت مال الكوفة يوم كان عليه ما أمر به ، فألقى مفاتيح بيت المال لمّا لم يجد من الكتاب والسنّة ـ وهو العليم بهما ـ مساغا لهاتيك الإباحة ولا لأثرة الآمر بها ، وعلم أنها سوف تتبعها من الأعطيات التي لا يقرّها كتاب ولا سنّة ، فتسلل عن عمله وتنصّل ، وما راقه أن يبوء بذلك الإثم ، فلهج بما علم ، وأبدى معاذيره في إلقاء المفاتيح ، فغاظ تلكم الأحوال داعية الشهوات وشاخص الهدى الوليد بن عقبة ، فكتب في حقه ونمّ وسعى ، فكان من ولائد ذلك أن ارتكب من ابن مسعود ما عرفت ، ولم تمنع عن ذلك سوابقه في الإسلام وفضائله وفواضله وعلمه وهديه وورعه ومعاذيره وحججه ، فضلا على أن يشكر على ذلك كله ، فأوجب نقمة الصحابة على من نال ذلك منه ، وإنكار مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام وصيحة عائشة في خدرها ، ولم تزل البغضاء محتدمة على هذه وأمثالها حتى كان في مغبّة الأمر ما لم يحمده خليفة الوقت وزبانيته الذين جرّوا إليه الويلات.
ولو ضرب المسيطر على الأمر صفحا عن الفظاظة في الانتقام ، أو أعار لنصح صلحاء الأمة أذنا واعية ، أو لم يستبدل بجراثيم الفتن عن محنكي الرجال ، أولم ينبذ كتاب الله وسنة نبيه وراء ظهره ، لما استقبله ما جرى عليه وعلى من اكتنفه من الوأد والهوان لكنّه لم يفعل ففعلوا ، ولمحكمة العدل الإلهي غدا حكمها البات.
ولابن مسعود عند القوم مظلمة أخرى وهي جلده أربعين سوطا في موقف آخر ، لما ذا كان ذلك؟ لأنه دفن أبا ذر لمّا حضر موته في حجته ، وجد بالربذة في