أكثر مما كان الناس يظنونه ، حتى خرج بها عن حدّ الآباء للأولاد ، فقال بمحضر الخاص والعام مرارا لا مرة واحدة وفي مقامات مختلفة لا في مقام واحد : إنها سيّدة نساء العالمين ، وإنها أفضل من مريم بنت عمران ، وأنها إذا مرّت في الموقف نادى مناد من جهة العرش : يا أهل الموقف : غضّوا أبصاركم لتعبر فاطمة بنت محمّد ، وأن تزويجها للإمام عليّ عليهالسلام ما كان إلّا بعد أن زوّجه الله تعالى إياها في السماء بشهادة الملائكة ، كم قال : يؤذيني ما يؤذيها ، ويغضبني ما يغضبها ، وأنها بضعة مني ، يريبني ما رابها. فكان هذا وأمثاله يوجب زيادة الضغن عند الزوجة حسب زيادة هذا التعظيم والتبجيل ، والنفوس البشرية تغيّظ على ما هو دون هذا ، فكيف هذا!
ومنها : أن الصدّيقة فاطمة عليهاالسلام ولدت أولادا كثيرة بنين وبنات ولم تلد هي ولدا ، وأن رسول الله كان يقيم ابني فاطمة مقام بنيه ، ويسمى الواحد منهما «ابني» ويقول : «دعوا لي ابني» «وما فعل ابني» فما ظنك بالزوجة إذا حرمت الولد من البعل ، ثم رأت البعل يتبنّى بني ابنته من غيرها ، ويحنو عليهم حنوّ الوالد المشفق! هل تكون محبّة لأولئك البنين ولأمهم ولأبيهم ، أم مبغضة! وهل تودّ دوام ذلك واستمراره ، أم زواله وانقضاءه!
ومنها : أنّه اتفق أن رسول الله سدّ باب أبيها إلى المسجد ، وفتح باب صهره ثم بعث أباها ببراءة إلى مكة ، ثم عزله عنها بصهره ، فقدح ذلك أيضا في نفسها ، وولد لرسول الله إبراهيم من مارية ، فأظهر الإمام عليّ عليهالسلام بذلك سرورا كثيرا ، وكان يتعصّب لمارية ، ويقوم بأمرها عند رسول الله ميلا على غيرها ، وجرت لمارية نكبة ـ كالتي ينسبها العامة إلى عائشة ـ فبرأها الإمام عليّ منها ، وكشف الله بطلانها على يده ، كل ذلك مما كان يوغر صدر عائشة عليه ، ويؤكد ما في نفسها منه ، ثم مات ابراهيم فأبطنت شماتة وإن أظهرت كآبة.
هذه الأسباب وغيرها أدت إلى وقوع الشحناء من طرف عائشة على أمير المؤمنين وزوجه الطاهرة فاطمة عليهاالسلام ، ويؤكد ما قلنا إن عائشة لم تحضر عزاء بني