الأدلة النقلية :
استدل الأشاعرة على الجبر بظواهر الآيات والروايات مع معارضتها لأدلة العقل القاضي بنفي الجبر عن ساحة المولى ، لاستلزامه الظلم الذي يجب أن ينزّه عنه عزوجل ، إذ كيف يجبرنا على الأفعال ثم يعذّبنا عليها؟
وفي باب العقائد لا بدّ للمرء من حجة يستند إليها لتفيده القطع والاطمئنان ، ولا اعتداد بظواهر الأدلة السمعية إمّا لكونها من المتشابهات التي لا بدّ فيها من الرجوع إلى المحكم العقلي والنقلي ، وإمّا لعدم إفادتها القطع المذكور ، أو معارضتها للدليل القطعي ، فلا تخلو عن كونها ظنّا وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ، فإذا كان كذلك فلا يمكن بل لا يجوز طرح الآيات المتشابهة التي اعتمدها القوم من أجل المصادقة المذكورة ، بل لا بدّ حينئذ من تأويلها بما يوافق العقل السليم والآيات الأخر في القرآن المجيد ، بحيث تخرج تلك الطائفة من الآيات عمّا أراده الجبريون.
من الآيات المعتمدة عندهم :
١ ـ الآية الأولى :
قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (١).
ومفاد الآية ـ بنظرهم ـ أنّ «ما» مصدريّة وليست اسما موصولا فيكون المعنى : الله خلقكم وأعمالكم أي «وخلق أعمالكم معكم» ومنها عبادة الأصنام وما شابهها.
لكنّ الظاهر والصحيح أنّ «ما» تعدّ اسما موصولا بلا إشكال ، وبقرينة ما قبلها كقوله تعالى : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) ف «ما» في هذه الآية موصولة ، فالمعنى : أن الله سبحانه استنكر على المشركين ووبّخهم لعبادتهم أصناما هي من
__________________
(١) سورة الصافات : ٩٦.