ويخفّ صلاته ، قال : فجلست إليه ، فقلت له : يا عبد الله من أنت؟ قال : أنا أبو ذر ، فقال لي : فأنت من أنت؟ قال قلت : الأخنف بن قيس ، قال : قم عني لا أعديك بشرّ ، فقلت له : كيف تعديني بشرّ ، قال : إن هذا ـ يعني معاوية ـ نادى مناديه : ألا يجالسني أحد» (١).
ومن أجل مخالفته لأوامر السلطة ، نفي أبو ذر من بلد إلى بلد حتى لقي حتفه طريدا فريدا بالربذة عام ٣١ ه.
كل ذلك من أجل الإفصاح عن فضائل أهل البيت عليهمالسلام ، هذه الفضائل التي أرعبت الخلفاء ، لذا منعوا من نشرها ، أما نشر أحكام الصوم والصلاة وبقية الفروع فلا بأس به ، أما فضائلهم فحيث تتصل بعقائدهم فيحرم نشرها كما أفاد عمر بقوله : «أقلوا الرواية عن رسول الله إلّا فيما يعمل به» ، أما فيما لا يعمل به كالعقائد والفضائل فهذه محرّمة على المسلمين يوم ذاك وما زالت إلى يومنا هذا حتى عند الذين يصبغون أنفسهم أنهم من شيعة آل البيت ، لا سيّما من مشايخ السوء الذين كثر سوقهم في زماننا هذا ، فباتوا ينعقون للزعيم والقائد من أجل حفنة من الدولارات ، أجارنا الله تعالى منهم ومما ينعقون ويصفرون.
ويشهد لما قلنا أن سبب المنع هو الفضائل ، ما ذكره معاوية للمغيرة بن شعبة لمّا استعمله على الكوفة عام ٤١ ه وأمّره عليها ، استدعاه وقال له :
قد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة أنا تاركها اعتمادا على بصرك ، ولست تاركا إيصاءك بخصلة : لا تترك شتم عليّ وذمّه ، والترحم على عثمان والاستغفار له ، والعيب لأصحاب علي والإقصاء لهم ، والإطراء لشيعة عثمان والإدناء لهم ، فقال له المغيرة : قد جرّبت وجرّبت ، وعملت قبلك لغيرك ، فلم يذممني وستبلو فتحمد أو تذمّ ، فقال : بل نحمد إن شاء الله (٢).
__________________
(١) طبقات ابن سعد ج ٤ / ١٦٨.
(٢) تاريخ الطبري ج ٢ / ١١٢ حوادث سنة ٥١ ه وابن الأثير ج ٣ / ١٠٢.