والنبيّ يحيى عليهالسلام أتاه الله تعالى الحكم ، وسواء فسّر (١) «الحكم» بالفهم والعقل والحكمة أو بالنبوّة فالمناط واحد وهو الحكم بين الناس وإصابة الواقع بواسطة ولد صغير إلا أنه عظيم بعقله وقلبه وروحه ، فلا غرابة أن يكون ذلك لعليّ أمير المؤمنين عليهالسلام الذي حارت فيه عقول العظماء والمفكرين ويقف العظماء إجلالا لذكر اسمه.
٤ ـ لو كان المناط في تسلّم الخلافة التقدّم بالسنّ فثمة من هو أكبر من أبي بكر من صحابة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم. وكان الأجدر لأبي بكر ألّا يتقدّم على واحد منهم كالعبّاس بن عبد المطلب عمّ النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم ولد قبل النبيّ بسنتين أو ثلاث (٢) ، وكعدي بن حاتم الذي عاش مائة وثمانين عاما وكان أكثر عمره في الجاهلية (٣) .. ولو غضضنا النظر عن مسألة التقدم بالسنّ فهل لنا أن نسأل القوم عن وجه الفضيلة في كبر السنّ؟ أوليس في الأمم والأجيال من طعنوا في السنّ فبلغوا من العمر عتيا وفيهم صاحب الفضائل والعاطل عنها؟! وإذا مدح أحدهم فإنما يمدح بمآثره لا بطول عمره .. ومهما طال عمر أبي بكر فإن أكثره انقضى في الجاهلية ، فلقد بعث النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ولأبي بكر ثمان وثلاثون سنة .. وصلّى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يصلّ معه غير عليّ أمير المؤمنين عليهالسلام!!
إذن فلأبي بكر عند إسلامه خمس وأربعون عاما ، ومات وهو ابن ثلاث وستين ، فقد أشغل في الإسلام ثمان عشرة سنة ، وهذه المدة الأخيرة هي التي يمكن أن تزدان بشيء من المناقب. ولو سلّمنا أنها ازدانت ببعض المناقب ولكنها بالقياس إلى مناقب مولى المؤمنين عليّ عليهالسلام لا تعادل واحد بنسبة ألف أو قطرة في مقابل بحر!! وقد ردّد عمر بن الخطاب ما قاله رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم في حقه : لو
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٣ / ١٠٠ ، وتفسير الرازي ج ٣١ / ١٩٣ ، ومجمع البيان ج ٦ / ٣٣٣.
(٢) الإصابة ج ٢ / ٢٧١.
(٣) نفس المصدر.