أقول : فيه أنّ الظاهر أنّ الآيتين بيان لحال الانسان قبل خروج روحه.
﴿وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩)﴾
ثمّ لمّا استبعدوا البعث بيّن سبحانه بعض أهوال النّزع وقيام الساعة بقوله : ﴿وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ﴾ وشدّته المذهبة للعقول المزيلة للفطن الجاعلة للانسان كالسكران ﴿بِالْحَقِ﴾ والموت الثابت الذي لا محيص عنه.
نقل رواية عامية في فضيلة علي عليهالسلام وجهل عمر
كما حكى بعض العامة أنّ رجلا أتى عمر وقال : إنّي أحبّ الفتنة ، وأكره الحقّ ، وأشهد بما لم أره. فحبسه عمر ، فبلغت قصّته أمير المؤمنين عليهالسلام ، فقال : « يا عمر حبسته ظلما » فقال : كيف ذلك ؟ قال : « لأنّه يحبّ المال والولد ، وقال الله تعالى : ﴿إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾(١) ويكره الموت وهو الحقّ ، قال تعالى : ﴿وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ﴾ ويشهد بأنّ الله واحد وهو لم يره » فقال عمر : لو لا عليّ لهلك عمر (٢) انتهى.
فيقول له ملك الموت ، أو لسان حاله : يا إنسان ﴿ذلِكَ﴾ الموت الذي نزل بك هو ﴿ما كُنْتَ﴾ في الدنيا ﴿مِنْهُ تَحِيدُ﴾ وتميل وتهرب ، بل تحسب أن لا ينزل عليك لانغمارك في شهوات الدنيا وحبّها ، والتعبير بالماضي للإيذان بتحقّقه وقربه ، وإسناد إتيان الموت إلى سكرته لبيان غاية شدّتها ، فكأنّ شدّة حال النزع اقتضت الموت ، وأمات ذلك الانسان.
وقيل : إنّ المراد بالحقّ الدين الذي جاء به الرسول (٣) ، فانّ الانسان حال احتضاره يظهر له حقّانيته ، فكنّى سبحانه عن ظهور الحقّ بالسّكرة باتيانها به ، أو المراد من الحقّ العذاب المعدّ للكفّار ، فإنّه ينزل عليه بالموت ، أو يراه في حال الاحتضار وميله عن الحقّ على التقديرين إنكاره إياه.
عن القمي رحمهالله ، قال : نزلت في الأول (٤) .
أقول : يعني أنّه أظهر من تنطبق عليه الآية ، روت العامة عن عائشة ، أنّها قالت : أخذت أبا بكر غشية من الموت ، فبكيت عليه ، فأفاق أبو بكر ، فقال : ﴿وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾(٥) .
﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ *
لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ * وَقالَ
__________________
(١) التغابن : ٦٤ / ١٥.
(٢) تفسير روح البيان ٩ : ١١٨.
(٣) تفسير الرازي ٢٨ : ١٦٤.
(٤) تفسير القمي ٢ : ٣٢٤ ، تفسير الصافي ٥ : ٦١.
(٥) تفسير روح البيان ٩ : ١١٨.