أقول : على الروايتين السورة مدنية ، لأنّ أبا الدّحداح كان من الأنصار ومن أهل المدينة.
﴿إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى * وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (١٢) و (١٣)﴾
ثمّ لمّا بيّن سبحانه فائدة الإعطاء والتقوى والايمان وضرر البخل والكفر ، بيّن أنّ الهداية إلى ما فيه الخير والشرّ من شأن الربوبية بقوله : ﴿إِنَ﴾ الواجب ﴿عَلَيْنا﴾ بمقتضى الحكمة البالغة واللّطف ﴿لَلْهُدى﴾ وبيان الطريق المؤدّي إلى كلّ خير وسعادة ، وإلى الشرور والضلالة ، وقد فعلنا بما لا نزيد عليه ، حيث بيّنا حال من سلك كلا من الطريقين ترغيبا وترهيبا. عن القمي : أنّ علينا أن نبيّن لهم (١) .
وعن ابن عباس : يريد ارشد أوليائي إلى العمل بطاعتي وأحول بين أعدائي أن يعملوا بطاعتي (٢).
أقول : معنى حيلولته خذلانه ، وإيكالهم إلى أنفسهم عقوبة على كفرهم وطغيانهم.
ثمّ بيّن سبحانه غناه عن عبادة الناس ، وإنّما تكون هدايتهم للنفع العائد إليهم بقوله : ﴿وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى﴾ وتلك العقبى والاولى ، لا يزيد في ملكنا اهتداؤكم ، ولا يضرّنا ضلالكم ، فمن طلب سعادة الدارين فليطلبها منّي ، وليعمل بطاعتي.
﴿فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى * لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى *
وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (١٤) و (١٨)﴾
ثمّ هدّد سبحانه الذين لا يهتدون بهداه بقوله : ﴿فَأَنْذَرْتُكُمْ﴾ أيّها الناس فيما أنزلت إليكم من القرآن ﴿ناراً تَلَظَّى﴾ وتتلهّب وتتوقّد بغضبي ، وخوّفتكم بها لترتدعوا عن عصياني ومخالفتي ، واعلموا أنّه
﴿لا يَصْلاها﴾ ولا يدخلها ﴿إِلَّا﴾ الكافر ﴿الْأَشْقَى﴾ من جميع العصاة والأبعد من كلّ خير وسعادة ، وهو ﴿الَّذِي كَذَّبَ﴾ بآيات ربّه ورسالة رسله ﴿وَتَوَلَّى﴾ وأعرض عن قبول الحق ، واستنكف عن طاعة ربّه.
وعن ابن عباس في رواية اخرى : أنّها نزلت في امية بن خلف وامثاله الذين كذّبوا محمدا والأنبياء قبله (٣) .
أقول : وهو جار في حقّ كلّ كافر إلى يوم القيامة ، إذ لا يكون الكفر إلا بالتكذيب ولو بإنكار ضروري من ضروريات الدين ، ومقتضى الحصر أن لا يدخل النار من كان مؤمنا عاصيا ولا يبعد ذلك ، نعم
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٤٢٦ ، تفسير الصافي ٢ : ٣٣٨.
(٢) تفسير الرازي ٣١ : ٢٠٢.
(٣) تفسير الرازي ٣١ : ٢٠٢.