وسهلنا لكم فهمه ، بأن جعلناه بلسانكم أيّها العرب ﴿لِلذِّكْرِ﴾ والاتّعاظ ، أو للحفظ على ظهر القلب ﴿فَهَلْ﴾ فيكم ﴿مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ ومتّعظ فيرتدع عن الكفر والعصيان ، وفي التكرار تأكيد ومبالغة في التّذكار.
قيل : إنّ الله تعالى أطال قصة صالح من بين القصص الخمس التي ذكرها في هذه السورة ، لكون معجزة صالح - وهي إخراج الناقة العظيمة من الجبل ، أو الصخرة غير القابلة للحياة - أعجب من معجزات سائر الأنبياء ، كما أنّ شقّ القمر الذي هو معجزة نبينا صلىاللهعليهوآله ، والمصدّرة به السورة أعجب من معجزاتهم ، حيث إنّ جميع معجزاتهم كانت أرضية ، ومعجزة نبينا صلىاللهعليهوآله كانت سماوية ، مع أنّ المشركين والفلاسفة قائلون بامتناع تصرّف أحد في السماويات ، واستحالة الشقّ والخرق فيها ، فأشبه حال صالح حال نبيّنا صلىاللهعليهوآله ، فكان تسليه ببيان حال صالح أتمّ وأكمل فأطاله (١) .
﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ
* نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ * وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا
بِالنُّذُرِ * وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي
وَنُذُرِ (٣٣) و (٣٧)﴾
ثمّ ذكر سبحانه قصة قوم لوط ، وإلطافه به ، وابتلائهم بالعذاب بقوله تعالى : ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ﴾ والتخويفات والمواعظ الإلهية ، أو بالمنذرين والرسل.
ثمّ بيّن سبحانه كيفية تعذيبهم بقوله : ﴿إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ﴾ غضبا وانتقاما منهم عذابا أو ريحا ﴿حاصِباً﴾ وراميا لهم بالحجارة الصغار ﴿إِلَّا آلَ لُوطٍ﴾ وأهله ، فانّا ﴿نَجَّيْناهُمْ﴾ من العذاب ﴿بِسَحَرٍ﴾ من الأسحار ، وإنّما كان إنجاؤهم ﴿نِعْمَةً﴾ عظيمة كائنة ﴿مِنْ عِنْدِنا﴾ وتفضلا عليهم من قبلنا لايمانهم وطاعتهم لنا ، كما أنّ تعذيب القوم كان عدلا منّا ، وأداء لما يستحقّون علينا ﴿كَذلِكَ﴾ الإنجاء من العذاب الذي كان نعمة ﴿نَجْزِي﴾ في الدنيا ﴿مَنْ شَكَرَ﴾ نعمنا بالايمان والطاعة من أيّ قوم وأية أمّة كان.
وقيل : يعني كما نجّيناهم من عذاب الدنيا ، نجزي من آمن بالنجاة من عذاب الآخرة.
ثمّ بيّن سبحانه أنّ عذابهم كان بعد إتمام الحجة عليهم وطغيانهم بقوله : ﴿وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ﴾ وخوّفهم لوط ﴿بَطْشَتَنا﴾ وأخذتنا الشديدة بالعذاب ﴿فَتَمارَوْا﴾ اولئك الطّغاة وكذّبونا ﴿بِالنُّذُرِ﴾
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٩ : ٥٢.