قالوا : نحن تبع لك ، وليس عليك منّا خلاف ، فجمع جميع أولاد النضر (١) بن كنانة على الرحلتين (٢) في الشتاء إلى اليمن ، وفي الصيف إلى الشام ، ليتجروا فيما بدا لهم من التجارات ، فما ربح الغني قسم بينه وبين فقرائهم حتّى كان فقيرهم كغنيهم ، فجاء الاسلام وهم كانوا على ذلك ، فلم يكن في العرب بنو أب واحد أكثر مالا ولا أعزّ من قريش (٣) .
﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (٣) و (٤)﴾
ثمّ اعلم أنّ بعض من فسّر السورة بهذا التفسير وقال بتعلق لام ﴿لِإِيلافِ﴾ بالسورة السابقة ، قال بكونها سورة واحدة ، ويؤيده جعل (٤) كعب بن ابي السورتين في مصحفه سورة واحدة ، ولم يفصل بينهما بالبسملة (٥) .
وروى العياشي عن أحدهما أنّه قال : « ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ﴾ و﴿لِإِيلافِ قُرَيْشٍ﴾ سورة واحدة » (٦) .
وقيل : إنّ اللام متعلّقة بقوله تعالى : ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ﴾ لايلافهم ، أي ليجعلوا عبادتهم شكرا لهذه النعمة واعترافا بها ، وإنّما أدخل الفاء على ليعبدوا لما في الكلام من معنى الشرط ، والمعنى إن لم يعبدوه لسائر نعمه ، فليعبدوه لهذه النعمة الواحدة التي هي نعمة ظاهرة (٧) .
وقيل : ليست متعلقة بما قبلها ولا بما بعدها ، بل هي لام التعجّب ، والمعنى اعجبوا لإيلاف قريش ، فانّهم كلّ يوم يزدادون غيا وجهلا وانغماسا في عبادة الأوثان ، والله يؤلّف شملهم ، ويدفع الآفات عنهم ، وينظم أسباب معايشهم (٨) .
فليعبدوا رب هذا البيت ، وليوحّدوه ، أو فليخضعوا له ؛ لأنّه حفظ البيت ، وعظّمهم بحفظه في أنظار الناس ، وهو ﴿الَّذِي أَطْعَمَهُمْ﴾ بسبب تينك (٩) الرحلتين اللتين تمكنوا (١٠) منهما ﴿مِنْ جُوعٍ﴾ شديد. روي أنّهم أصابتهم شدّة حتّى أكلوا الجيف والعظام المحرقة (١١) .
وقيل : إنّ تنكير الجوع والخوف للتحقير ، والمعنى أنّه تعالى لم يرض لهم بالجوع والخوف القليل ، فكيف يرضى لهم إن عبدوه أن يهمل أمرهم (١٢) لكونهم جيرانه وسكّان حرمه.
وقيل : إنّه سبب دعوة إبراهيم عليهالسلام حيث قال : ﴿يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾(١٣) .
__________________
(١) في النسخة : نصر ، راجع جمهرة أنساب العرب : ١١.
(٢) في النسخة : المرحلتين.
(٣) تفسير الرازي ٣٢ : ١٠٦ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٥١٩.
(٤) في النسخة : وابده يجعل.
(٥و٦) مجمع البيان ١٠ : ٨٢٧ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٧٨.
(٧) تفسير الرازي ٣٢ : ١٠٥.
(٨) تفسير الرازي ٣٢ : ١٠٥.
(٩) في النسخة : بتيك.
(١٠) في النسخة : تمكثوا.
(١١و١٢) تفسير الرازي ٣٢ : ١١٠.
(١٣) تفسير روح البيان ١٠ : ٥٢٠ ، والآية من سورة القصص : ٢٨ / ٥٧.