والصحّة والأمان ونظائرها ﴿وَلا تَفْرَحُوا﴾ ولا تسرّوا ﴿بِما آتاكُمْ﴾ الله وأعطاكم منها ، فانّ من علم أنّ إقبال الدنيا وإدبارها بتقدير الله لا بسعي الانسان وكدّه ، لا يشتدّ جزعه على إدبارها ، لعلمه بكونه لصلاح أنفع منه ، ولا فرحه بأقبالها لتجويزه ذهابه في أسرع وقت ، أو كونه امتحانا واستدراجا.
وعن بعض الحكماء : لا التأسّف يردّ فائتا ، ولا الفرح يقرّب معدوما ويديم آتيا (١) .
وعن ابن مسعود : لأن أمسّ جمرة أحرقت ما أحرقت وأبقت ما أبقت ، أحبّ إلي من أن أقول لشيء لم يكن ليته كان (٢) .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : « الزّهد كلّه بين كلمتين في (٣) القرآن قال الله تعالى : ﴿لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ﴾ ومن لم يأس على الماضي ، ولم يفرح بالآتي ، فقد أخذ الزّهد بطرفيه » (٤) .
وعن السجاد عليهالسلام : « ألا إنّ الزّهد في آية من كتاب الله » ثمّ تلا هذه الآية (٥) .
ثمّ نبّه سبحانه على أنّ الأسى المذموم هو المانع عن التسليم لأمر الله ، والفرح المبغوض هو الفرح الموجب للاختيال والفخر بقوله : ﴿وَاللهُ لا يُحِبُ﴾ بل يبغض ﴿كُلَ﴾ شخص ﴿مُخْتالٍ﴾ ومتكبّر ﴿فَخُورٍ﴾ ومتطاول على عباده ، فانّ من عظمت عنده الحظوظ الدنيوية وفرح بها ، اختال وافتخر بها لا محالة ، وأمّا الفرح بنعمة الله والشّكر عليها فغير مذموم.
عن ابن عباس ، قال : ليس أحد إلّا وهو يفرح ويحزن ، ولكن اجعلوا للمصيبة صبرا ، وللخير شكرا (٦) .
﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ
* لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ
بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ
وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢٤) و (٢٥)﴾
ثمّ لمّا كان التكبّر والتطاول على الناس بالأموال وكثرة النّعم الدنيوية لعظمتها في نفسه وشدّة حبّه لها ملازما للبخل بها ، وصف سبحانه المختال والفخور بقوله : ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ﴾ بأموالهم ، ولا
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ٣٧٦.
(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٣٧٦.
(٣) في نهج البلاغة : من.
(٤) نهج البلاغة : ٥٥٣ / ٤٣٩ ، تفسير الصافي ٥ : ١٣٨.
(٥) الكافي ٢ : ١٠٥ / ٤ ، الخصال : ٤٣٧ / ٢٦ ، تفسير الصافي ٥ : ١٣٨.
(٦) تفسير الرازي ٢٩ : ٢٣٩.