﴿أَمْ﴾ هم ﴿خَلَقُوا﴾ بقدرتهم ﴿السَّماواتِ وَالْأَرْضَ﴾ فلا يستدلّون بهما على وجود الصانع القادر الحكيم ؟ لا والله لا يقولون بأنّهم خالقهما ﴿بَلْ﴾ يشكّون في خالقهما و﴿لا يُوقِنُونَ﴾ بالنظر إلى الآيات الآفاقية والأنفسية المذكورة بأنّ الله خالقهما وخالق كلّ شيء ، وإلّا لما أعرضوا عن عبادته ، وما أنكروا قدرته على البعث ﴿أَمْ عِنْدَهُمْ﴾ وتحت تصرّفهم ﴿خَزائِنُ﴾ رحمة ﴿رَبِّكَ﴾ حتى يعطوا النبوة من شاءوا ويمنعوها عمّن شاءوا ؟ ﴿أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ﴾ والغالبون على من له الخزائن حتى يجبروه على الاعطاء والمنع على وفق إرادتهم وهوى أنفسهم ؟ ﴿أَمْ﴾ لا يحتاجون إلى الرسول ، بل ﴿لَهُمْ سُلَّمٌ﴾ يصعدون فيه إلى السماء ، و﴿يَسْتَمِعُونَ﴾ من الملائكة ما يحتاجون إلى العلم به من الأحكام وسائر الأمور حال كونهم صاعدين ﴿فِيهِ ؟﴾ فان كانوا يدّعون ذلك ﴿فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ﴾ من الملائكة بصعوده إلى السماء ﴿بِسُلْطانٍ مُبِينٍ﴾ وبرهان واضح على استماعه وصدقه في دعواه.
﴿أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ * أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ * أَمْ
عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ * أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ *
أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣٩) و (٤٣)﴾
ثمّ وبّخ جماعة من قريش على قولهم : إنّ الملائكة بنات الله ، وعبادتهم إياهم لكونهم أولاده بقوله: ﴿أَمْ لَهُ الْبَناتُ﴾ اللاتي هنّ أخسّ الأولاد عندكم ﴿وَلَكُمُ﴾ أيّها السّفهاء ﴿الْبَنُونَ﴾ الذين هم أشرف الأولاد ؟ قيل : إنّ الالتفات من الغيبة إلى الخطاب للتشديد والتوبيخ (١) . قيل : فيه إيذان بأنّ من هذا رأيه لا يعدّ من العقلاء فضلا من أن يرقى إلى السماء ويطلّع على الأسرار الغيبية (٢) .
ثمّ لمّا كان ظهور نبوة النبي صلىاللهعليهوآله بحيث لم يبق لأحد مجال الشكّ والانكار ، أعرض سبحانه عن المشركين ، ووجّه خطابه للنبي صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿أَمْ تَسْئَلُهُمْ﴾ وتطلب منهم على تبليغ الرسالة ﴿أَجْراً﴾ وجعلا من المال ﴿فَهُمْ﴾ لأجل ذلك ﴿مِنْ مَغْرَمٍ﴾ ومال ألزمتهم بأدائه إليك ﴿مُثْقَلُونَ﴾ ومتقاعدون عن الايمان بك واتّباعك ، الثقل أجرك عليهم ؟ وفيه تسلية النبي صلىاللهعليهوآله وإظهار عدم تقصيره في أداء وظيفته ﴿أَمْ﴾ لا يحتاجون إلى الرسول ؛ لأنّ ﴿عِنْدَهُمُ﴾ اللوح المحفوظ الذي فيه ﴿الْغَيْبُ﴾ وما لا يعلم به إلّا بإعلام الله ﴿فَهُمْ يَكْتُبُونَ﴾ ما فيه ليبقى في حفظهم ، ويراجعون إليه عند نسيانهم شيئا منه ، ولذا لا يتّبعونك ؟ أيكتف المشركون بتلك التّرّهات ولا أقاويل الباطلة ﴿أَمْ يُرِيدُونَ﴾ مع ذلك
__________________
(١و٢) تفسير أبي السعود ٨ : ١٥١.