ثمّ وصف سبحانه النار التي كان ذلك الظلّ دخانا لها بقوله : ﴿إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ﴾ وشعلات ، كلّ شرر وشعلة في العظمة ﴿كَالْقَصْرِ﴾ العظيم والبناء الرفيع ، عن ابن عباس : يريد القصور العظام(١). وروي عنه : أنّ هذا التشبيه ورد في بلاد العرب ، وقصورهم قصيرة السّمك (٢) جارية مجرى الخيمة (٣) .
وفي رواية اخرى عنه ، أنّه سئل عن القصر ، فقال : هو خشب كنّا ندّخره للشتاء نقطّعه (٤) . وقيل : هو اصول الشجر العظام والنّخل (٥) .
ثمّ شبه سبحانه كلّ شرر في اللون والتتابع والسرعة والكثرة والاختلاط بجماعة الابل السّود بقوله : ﴿كَأَنَّهُ جِمالَتٌ﴾ وجماعة إبل ﴿صُفْرٌ﴾ كلّ شررة كأنّها جمل أصفر.
قيل : عبّر سبحانه عن الأسود بالأصفر ، لأنّ لون الصّفرة هو السواد المختلط بالبياض ، أو لأنّ الإبل السوداء سوادها يضرب إلى السّفرة ، أو لأنّ الإبل الصفراء يشوب رؤوس أشعارها السواد (٦) .
قيل : إنّ ابتداء الشّرر يعظم فيكون كالقصر ، ثمّ يفترق فتكون القطع المتفرّقة كالجمالة الصّفر (٧).
قيل : في تشبيه الشرر بالجمالة الصّفر تقريع بالكفّار ، فانّهم كانوا يحبّون الجمال ، ويعتقدون أنّ ملكها تمام النّعمة ، كأنّه (٨) قيل لهم : إنّكم كنتم تتوقعون من دينكم نعمة كثيرة (٩) أهمّها عندكم جمالة وجماعة من الإبل ، فاليوم صارت الجمالة المحبوبة عندكم هذه الشرارات.
﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ بهذه الأهوال ﴿هذا﴾ اليوم الذي فيه تلك الأهوال العظيمة ﴿يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ﴾ هؤلاء المكذّبون بشيء قيل : إنّ الكفّار حين السؤال ينطقون ، فلمّا انقضى السؤال والحساب لا ينطقون من الوحشة وعدم القدرة على التكلّم (١٠) ﴿وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ﴾ من قبل الله ﴿فَيَعْتَذِرُونَ﴾ عن تقصيراتهم لعدم عذر لهم بعد إتمام الحجّة عليهم في الدنيا ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ بهذه الأخبار.
﴿هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ * فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ * وَيْلٌ
يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٨) و (٤٠)﴾
ثمّ يقال لهم توبيخا وتقريعا : ﴿هذا﴾ اليوم العظيم الذي ترون أهواله ﴿يَوْمُ الْفَصْلِ﴾ بين الحقّ
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٧٦.
(٢) السّمك : السقف أو الارتفاع.
(٣) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٧٧.
(٤و٥) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٧٦.
(٦) في النسخة : لأن الابل الأسود سواده يضرب إلى الصفرة ، أو لأن الإبل الأصفر يشوب رؤوس أشعاره بالسواد. راجع : تفسير روح البيان ١٠ : ١٨٨.
(٧-٩) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٧٧.
(١٠) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٧٩.