في تفسير سورة الحديد
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) و (٢)﴾
ثمّ لمّا ختمت السورة المباركة المتضمّنة لأحوال الفرق الثلاثة المقرّبين ، وأصحاب اليمين ، والمكذّبين الضالين ، المختتمة بأمر النبي صلىاللهعليهوآله بالتسبيح ، نظمت سورة الحديد المتضمّنة لأحوال الفرق الثلاث المؤمنين المخلصين ، والمنافقين ، والكفّار ، المبدوؤة ببيان تسبيح الموجودات ، فافتتحها سبحانه بذكر الأسماء الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ ثمّ شرع فيها ببيان تسبيح جميع الموجودات بقوله : ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ كأنّه قال تعالى : سبّح يا محمد باسم ربك العظيم ، كما أنّ جميع الموجودات سبّحته خالصة (١) له بلسان الحال والمقال ، كما سمع حنين الجذع ، وذكر بعض الجمادات. وقيل : إنّ المراد بما في السماوات والأرض الموجودات الأحياء العقلاء ، كالملائكة وحملة العرش والجنّ والإنس (٢) .
ثمّ بيّن سبحانه صفاته الموجبة لتسبيحه وتنزيهه عن النقائص الإمكانية بقوله : ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ والغالب على كلّ شيء ، ولا يغلبه شيء ﴿الْحَكِيمُ﴾ والعالم بجميع مصالح الأشياء ومفاسدها ، والفاعل لما هو الأصلح والأصوب بنظام العالم ﴿لَهُ﴾ خاصة ﴿مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ والسلطنة التامة المطلقة على جميع الممكنات ، والتصرّف الكلّي ، ونفوذ الإرادة فيها إيجادا وإعداما ، وتغييرا وتقلّبا ، ومن آثار سلطنته أنّه ﴿يُحْيِي﴾ الميت ﴿وَيُمِيتُ﴾ الحيّ ، كما تشاهدون في حياة النّطف وموت الحيوانات.
ثمّ نبّه على عدم اختصاص قدرته بالاحياء والاماتة بقوله : ﴿وَهُوَ﴾ تعالى ﴿عَلى كُلِّ شَيْءٍ﴾ من الأشياء المتصوّرة وغير المتصوّرة ، وكلّ فعل من الأفعال الممكنة ﴿قَدِيرٌ﴾ بذاته ، بلا حاجة إلى
__________________
(١) في النسخة : سبّحه خالصا.
(٢) تفسير الرازي ٢٩ : ٢٠٧.