﴿أَيْمانٌ﴾ وعهود مؤكّدة ثابتة ﴿عَلَيْنا﴾ وفي عهدتنا ﴿بالِغَةٌ﴾ ومنتهية في الصحّة والتأكد واللّزوم ﴿إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ﴾ لا يجوز لنا حنثها ونقضها ، ولا يخرج عن عهدتها ؟ ! وهي ﴿إِنَّ لَكُمْ﴾ يوم القيامة ﴿لَما تَحْكُمُونَ﴾ لأنفسكم وتطلبون منّا ، فيكون علينا بهذه العهود أن نحكمكم في ذلك اليوم ، ونوافقكم فيما تأمرون ، ونعطيكم ما تتوقّعون.
ثمّ لوّن سبحانه الخطاب عنهم إلى رسوله بقوله : ﴿سَلْهُمْ﴾ يا حبيبي مشافهة ﴿أَيُّهُمْ﴾ ومن يكون منهم ﴿بِذلِكَ﴾ الحكم المخالف للعقول ﴿زَعِيمٌ﴾ وضامن لاثباته بالحجّة والبرهان ؟ ﴿أَمْ لَهُمْ﴾ في ذلك الادّعاء ﴿شُرَكاءُ﴾ يشاركونهم في الدعوى ، ويساعدونهم في هذا القول ؟ ﴿فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ﴾ عندك وليحضروهم في محضرك حتى يقولوا بقولهم ويصدّقوهم في دعواهم ﴿إِنْ كانُوا صادِقِينَ﴾ في دعوى أنّ لهم شركاء. قيل : إنّ المراد من شركائهم أصنامهم (١) ، والمعني ألهم أصنام يجعلونهم مثل المسلمين في النجاة من العذاب والدّخول في الجنّة ؟ !
حاصل مفاد الآيات - والله أعلم - أنّه ليس لهم دليل عقلي على التسوية بين المطيع والعاصي والمحسن والمسيء ، ولا دليل نقلي من كتاب سماوي يقرؤونه ، ولا عهد مؤكّد بالأيمان ، ولا من يوافقهم من العقلاء حتّى يقلّدوهم ، مع حكم العقل السليم على خلافه ، فظهر أنّ بطلان دعواهم أظهر من الشمس في رائعة (٢) النهار.
﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ *خاشِعَةً
أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ * فَذَرْنِي
وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ
إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٢) و (٤٥)﴾
ثمّ بيّن سبحانه سوء حالهم يوم القيامة بقوله : ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ﴾ قيل : إنّ المعنى ذكرهم يا محمد يوم الشدّة وصعوبة الخطب على الكفّار والمنافقين ، فانّ كشف الساق كناية عن الوقوع في الشدّة ، كما أنّ من وقع بين الخصوم الأقوياء وانغمر رجلاه في الوحل ، يشمّر ذيله ويرفع ثيابه عن ساقه ، كما عن ابن عباس (٣) .
وقيل : إنّ المراد من الساق أصل الامور ، يعني يكشف عن حقائق الامور وواقعياتها وخفيّاتها (٤).
__________________
(١) تفسير البيضاوي ٢ : ٥١٧.
(٢) في النسخة : رابعة.
(٣) مجمع البيان ١ : ٥٠٩
(٤) تفسير الرازي ٣٠ : ٩٥.