ودورانها ﴿وَأَخْرَجَ﴾ وأبرز ﴿ضُحاها﴾ والقطعة من الزمان التي يظهر فيها ضوء الشمس بحركتها.
قيل : إنّما عبّر سبحانه عن النهار بالضّحى الذي هو وقت ارتفاع الشمس ، لكونه أشرف أوقاته (١) ، فكان أحقّ بالذكر في مقام الامتنان ، كما أنّ تأخير ذكره عن الليل لأنّ إضاءة النور بعد الظّلمة أتمّ في الانعام.
﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ﴾ الخلق العظيم ﴿دَحاها﴾ وبسطها ومهدها لسكنى أهلها وتقلّبهم في أقطارها. قيل : إنّ الله تعالى خلق الأرض أولا قبل السماء غير قابلة للسكنى ، ثمّ خلق السماء ، ثمّ بسط الأرض بعد خلق السماء ، كما عن ابن عباس (٢) .
وقيل : إنّ كلمة ﴿بَعْدَ﴾ هنا بمعنى ( مع ) والمعنى : أنّ الأرض مع ذلك دحاها ، كما في قوله : ﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ﴾(٣) روى لك أيضا عن ابن عباس (٤) .
وقيل : إنّ المراد من دحوها بسطها بحيث تكون مهيأة لنبات الأقوات (٥) ، ولذا قال سبحانه بعد بيان نعمة دحو الأرض : ﴿أَخْرَجَ مِنْها ماءَها﴾ وفجّر عيونها ﴿وَ﴾ أخرج ﴿مَرْعاها﴾ وأنبت منها ما يأكل الناس والأنعام من نباتاتها ﴿وَالْجِبالَ﴾ على الأرض ﴿أَرْساها﴾ وأثبتها ، وانّما خلق الله سبحانه جميع ذلك ليكون ﴿مَتاعاً﴾ وما به الانتفاع ﴿لَكُمْ﴾ أيّها الناس ﴿وَلِأَنْعامِكُمْ﴾ ومواشيكم.
﴿فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ
لِمَنْ يَرى * فَأَمَّا مَنْ طَغى * وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى
* وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ
الْمَأْوى (٣٤) و (٤١)﴾
ثمّ لمّا بيّن سبحانه كمال قدرته على إحياء الأموات وأعظم منه وبعثهم للحساب ، أخبر عن وقوعه وشدّة أهواله بقوله : ﴿فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى﴾ والداهية العظمى التي تصغر عندها كلّ داهية سواها ، وبلغ وقت ظهورها ، أعنى ﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ﴾ المكلّف في ذلك اليوم العظيم الهائل ﴿ما سَعى﴾ وما عمله في الدنيا من خير أو شرّ برؤيته بصورته الاخروية ، أو في صحيفة أعماله ، وقد نسبه للغفلة ، أو لطول المدّة ، أو للوحشة والدّهشة.
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٩ : ١٠١ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٣٢٤.
(٢) تفسير الرازي ٣١ : ٤٨ ، ولم ينسب إلى أحد.
(٣) القلم : ٦٨ / ١٣.
(٤و٥) تفسير الرازي ٣١ : ٤٨.