﴿وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (٣)﴾
ثمّ لمّا كان الشرور بالليل أكثر ، خصّ سبحانه الاستعاذة من شرّه بالذكر بقوله : ﴿وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ﴾ وليل مظلم ﴿إِذا وَقَبَ﴾ ودخل ، حيث إنّه إذا دخل تخرج السّباع من آجامها والهوامّ من أماكنها ، ويهجم السّراق والأعداء ، ويقع الحريق ويقل فيه المعين والمغيث.
وقيل : إنّ بالليل تنتشر الأرواح المؤذية المسمّاة بالجنّ والشياطين (١) .
وقيل : إنّ الغاسق هو القمر ، لأنّه حين الكسوف يذهب ضوؤه ويسودّ (٢) ، ووقوبه دخوله في ذلك الاسوداد. وروي عن عائشة أنّها قالت : أخذ رسول الله صلىاللهعليهوآله بيدها ، وأشار إلى القمر ، وقال : « استعيذي بالله من شرّ هذا ، فانّه الغاسق إذا وقب » (٣) .
قيل : اريد بالاستعاذة من شرّه إذا وقب ، إذا دخل في الكسوف (٤) .
وقيل : اريد بالغاسق الثّريا ، وبوقوبه سقوطه ، قالوا : إذا سقط الثريا ودخل تحت الأرض وغاب عن الأعين ، كثرت الأمراض ، وترفع عند طلوعها (٥) .
﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (٤) و (٥)﴾
ثمّ لعرافة السحر بالشرّ خصّه سبحانه بالذكر بقوله : ﴿وَمِنْ شَرِّ﴾ النفوس ، أو النساء ﴿النَّفَّاثاتِ﴾ والنافخات للسحر ﴿فِي الْعُقَدِ﴾ اللاتي يعقدنها في الخيوط.
قيل : إنّ الساحر إذا شرع في قراءة الرّقية أخذ خيطا ولا يزال يعقد عليه عقدا بعد عقد وينفث في تلك العقد (٦) .
قيل : إنّ المراد بالنّفاثات بنات لبيد بن أعصم اليهودي ، فإنّهن سحرن النبيّ صلىاللهعليهوآله (٧) .
روى يحيى بن معمر (٨) قال : حبس رسول الله صلىاللهعليهوآله عن عائشة ، فبينما هو نائم إذ أتاه ملكان ، جلس أحدهما عند رأسه ، والآخر عند رجليه ، فهذا يقول للذي عند رأسه : ما شكواه ؟ قال : السحر ، قال : من فعل به ؟ قال : لبيد بن أعصم اليهودي. قال : فأين صنع السحر ؟ قال : في بئر كذا. قال : فما دواؤه ؟ قال : يبعث إلى تلك البئر فينزح ماؤها ، فانّه ينتهي إلى صخرة ، فاذا رآها فليقلعها ، فانّ تحتها كوبة - قيل : هو كوز سقط عنقها - وفي الكوبة وتر فيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالإبر ، فيحرقها بالنار ، فيبرا إن شاء الله.
__________________
(١ - ٣ ) تفسير الرازي ٣٢ : ١٩٥.
(٤) تفسير الرازي ٣٢ : ١٩٥.
(٥و٦) تفسير الرازي ٣٢ : ١٩٥.
(٧) تفسير الرازي ٣٢ : ١٩٦.
(٨) تفسير روح البيان : يحيى بن يعمر.