بلتعة كان أسلم وهاجر إلى المدينة ، وكان عياله بمكّة ، فكانت قريش تخاف أن يغزوهم رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فصاروا إلى عيال حاطب ، وسألوهم أن يكتبوا إلى حاطب يسألوه عن خبر محمد صلىاللهعليهوآله وهل يريد أن يأتي مكة ، فكتبوا إلى حاطب يسألونه عن ذلك ، فكتب إليهم حاطب : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله يريد ذلك ، ودفع الكتاب إلى امرأة تسمّى صفيّة ، فوضعته في قرونها فمرّت ، فنزل جبرئيل على رسول الله صلىاللهعليهوآله وأخبره بذلك ، فبعث رسول الله صلىاللهعليهوآله أمير المؤمنين عليهالسلام والزبير بن العوّام في طلبها ، فلحقوها فقال أمير المؤمنين صلىاللهعليهوآله: « أين الكتاب ؟ » فقالت : ما معي شيء. ففتّشوها فلم يجدوا معها شيئا. فقال الزبير : ما نرى معها شيئا. فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : « والله ما كذّبنا رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ولا كذّب رسول صلىاللهعليهوآله على جبرئيل ، ولا كذّب جبرئيل على الله جلّ ثناؤه ، والله لئن لم تظهري الكتاب لأردّن رأسك إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله » فقالت : تنحّ عنّي حتى اخرجه. فأخرجت الكتاب من قرونها.
فأخذه أمير المؤمنين عليهالسلام وجاء به إلى رسول الله ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « يا حاطب ، ما هذا ؟ » فقال حاطب : يا رسول الله ، ما نافقت ولا غيّرت ولا بدّلت ، وإنّى أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّك رسول الله حقا ، ولكن أهلي وعيالي كتبوا إليّ بحسن صنع قريش إليهم ، فأحببت أن اجازي قريشا بحسن معاشرتهم. فأنزل الله عزوجل على رسول الله صلىاللهعليهوآله الآية (١) .
﴿إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ
وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ * لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ
بَيْنَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢) و (٣)﴾
ثمّ بيّن سبحانه شدّة عداوة الكفّار للمؤمنين ، وإن ألقوا إليهم بالمودّة بقوله : ﴿إِنْ يَثْقَفُوكُمْ﴾ ويظهر الكفّار عليكم ، ويتمكّنوا منكم أيّها المؤمنون ﴿يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً﴾ متجاهرين في العداوة والبغض ، ومظهرين ما في قلوبهم من الغيظ والحقد ﴿وَيَبْسُطُوا﴾ ويمدّوا ﴿إِلَيْكُمْ﴾ من غيظهم ﴿أَيْدِيَهُمْ﴾ بالضرب والقتل والإيذاء ﴿وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ﴾ من الشّتم والسبّ واللّعن ﴿وَوَدُّوا﴾ وتمنّوا في جميع الأوقات قبل الظفر والظهور عليكم وبعده ﴿لَوْ تَكْفُرُونَ﴾ وأن ترجعوا إلى دينهم ، وتعبدوا آلهتهم ، وأن توادّوهم أيّها المؤمنون لرعاية أهلكم وأرحامكم ، فاعلموا أنّه ﴿لَنْ تَنْفَعَكُمْ﴾ بجلب خير أو دفع ضرّ ﴿أَرْحامُكُمْ﴾ وأقاربكم ﴿وَلا أَوْلادُكُمْ﴾ وذراريكم ﴿يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ فانّه يوم ﴿يَفْصِلُ﴾ الله ويفرّق ﴿بَيْنَكُمْ﴾ وبين أرحامكم وأولادكم وأصدقائكم ، لأنّه لاهمّ لأحد فيه إلّا نجاة نفسه من
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٣٦١ ، تفسير الصافي ٥ : ١٦١.