في تفسير سورة الجن
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي
إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً * وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ
صاحِبَةً وَلا وَلَداً * وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللهِ شَطَطاً * وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ
تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً * وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ
بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً (١) و (٦)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة نوح المتضمّنة لبيان إشراك جميع أهل الأرض من الإنس في عصر نوح وإيذاءهم ايّاه وتمرّدهم عن الايمان بالله وطاعته ، فأهلكهم الله بالغرق في الطّوفان ، نظمت سورة الجنّ المتضمّنة للإخبار بايمان كثير من الجنّ بالتوحيد ، وانقيادهم لخاتم الأنبياء ، وتصديقهم كتابه ، وحكمهم بسفاهة المشركين ، فافتتحها بذكر الأسماء الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ أمر رسوله بحكاية مقالة الجنّ في شأن التوحيد وعظمة القرآن بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمد لأهل مكّة المنكرين لصدق القرآن والتوحيد : إنّه قد ﴿أُوحِيَ إِلَيَ﴾ من جانب ربّي واطّلعت بإخبار الله تعالى ﴿أَنَّهُ اسْتَمَعَ﴾ القرآن حين تلاوته ﴿نَفَرٌ﴾ وجماعة ﴿مِنَ الْجِنِّ﴾. روي أنّهم كانوا يهودا (١) .
وقيل كانوا يهودا ونصارى ومجوسا ومشركين (٢) .
﴿فَقالُوا﴾ لقومهم حين رجوعهم إليهم مع تمرّدهم وعدم مجانستهم للانس : يا قوم ﴿إِنَّا سَمِعْنا﴾ من لسان رسول من الإنس ﴿قُرْآناً﴾ وكتابا متلوّا ﴿عَجَباً﴾ وبديعا مباينا لكلام البشر في الفصاحة وحسن النظم وعلوّ المعنى ﴿يَهْدِي﴾ ذلك القرآن ويدلّ جميع الخلق ﴿إِلَى الرُّشْدِ﴾ ودين الحقّ ، أو إلى كلّ خير وصواب في امور الدين والدنيا ﴿فَآمَنَّا بِهِ﴾ بمحض استماعه ، وصدّقنا أنّه كلام الله وكتابه ، وأنّ من أتى به رسول الله ﴿وَلَنْ نُشْرِكَ﴾ بعد اليوم بدلالة ذلك الكتاب المثبت للتوحيد
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٠ : ١٥٤.
(٢) تفسير الرازي ٣٠ : ١٥٤ ، وفيه : ومشركا.