﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠)﴾
ثمّ حثّ سبحانه المؤمنين إلى الاصلاح بين المقاتلين والمنازعين منهم بقوله : ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ﴾ فقط ﴿إِخْوَةٌ﴾ وأشخاص متحابّون ، كالمنتسبين إلى أب واحد وام واحدة.
روي عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : « المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يشتمه ، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرّج [ عن ] مسلم كربة فرّج الله عنه بها كربة من كربات يوم القيامة ، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة » (١) .
عن الصادق عليهالسلام : « المؤمن أخو المؤمن لأبيه وامّه ، لأنّ الله خلق المؤمنين من طينة الجنان ، وأجرى في صوركم من ريح الجنة » (٢) .
وعنه عليهالسلام أنّه سئل عن تفسير هذا الحديث : « المؤمن ينظر بنور الله » فقال : « إنّ الله خلق المؤمنين من نوره ، وصبغهم في رحمته ، وأخذ ميثاقهم لنا بالولاية على معرفته يوم عرّفهم نفسه ، فالمؤمن أخ المؤمن لأبيه وامّه ، أبوه النور ، وامّه الرحمة ، وإنّما ينظر بذلك النور الذي خلق منه » (٣) .
أقول : يمكن أن يكون وجه آخر لاخوّتهم ، وهو أن ولادتهم الايمانية من الرسول والوصي عليهماالسلام ، كما قال : « أنا وعليّ أبوا هذه الامّة » (٤) .
وعنه عليهالسلام : المؤمن أخ المؤمن ، عينه ودليله ، لا يخونه ولا يظلمه ولا يعيبه ، ولا يعده عدة فيخلفه (٥) .
ثمّ رتّب سبحانه على أخوّتهم ما هو من لوازمها ، وهو كون كلّ منهم مجدّا في تحصيل صلاح الآخر بقوله تعالى : ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ وأرفعوا التنازع منهم ، وحصّلوا التوادّ والرحمة فيهم ﴿وَاتَّقُوا اللهَ﴾ في جميع الامور التي منها ما امرتم به من الاصلاح وإيجاد التراحم بين المؤمنين ﴿لَعَلَّكُمْ﴾ من قبل ربّكم ﴿تُرْحَمُونَ﴾ على إحسانكم بهم وتقواكم من الله.
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا
نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ (١١)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد بيان وظيفة المؤمنين بالنسبة إلى الظالم والمظلوم منهم ، ووجوب إحقاق حقّ المظلوم ، نهى عن إهانة المؤمن بذكر ما يوجب وهنه وتحقيره بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ اعلموا
__________________
(١) مجمع البيان ٩ : ٢٠٠ ، تفسير روح البيان ٩ : ٧٨.
(٢) الكافي ٢ : ١٣٣ / ٧ ، وتفسير الصافي ٥ : ٥١ ، عن الباقر عليهالسلام.
(٣) بصائر الدرجات : ١٠٠ / ٢ ، تفسير الصافي ٥ : ٥١.
(٤) سعد السعود : ٢٧٥ ، تفسير الصافي ٥ : ٥٢.
(٥) الكافي ٢ : ١٣٣ / ٣ ، تفسير الصافي ٥ : ٥١.