في تفسير سورة الواقعة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ * خافِضَةٌ رافِعَةٌ (١) و (٣)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة الرحمن المبتدئة بالاعلان بسعة الرحمة ، ثمّ عظمة القرآن المحتوية لبيان النّعم الدنيوية والاخروية ، وبيان فناء الموجودات الجسمانية ، وأهوال القيامة ، وكون الناس فيها فرقا ثلاث : المجرمين ، والمقرّبين ، والمؤمنين الأبرار ، نظمت بعدها سورة الواقعة المبتدئة بإظهار المهابة ببيان أهوال القيامة ، وبيان فناء الدنيا وخرابها فيها ، وكون الناس فيها فرقا ثلاث : السابقين المقربين ، وأصحاب اليمين ، وأصحاب الشمال ، وغير ذلك من المطالب المربوطة بالسورة السابقة ، فابتدأها بذكر أسمائه الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ شرع سبحانه فيها ببيان أهوال القيامة الموجبة للخوف عن مقامه وإرعاب القلوب من مهابته بقوله : ﴿إِذا وَقَعَتِ﴾ القيامة التي هي ﴿الْواقِعَةُ﴾ لا محالة ، أو هي الواقعة العظيمة التي من عظمتها وشدائدها لا يتصوّر لها نظير ، أو الزلزلة التي تضع لهو لها كلّ ذات حمل حملها. قيل : إنّ جواب ( إذا ) محذوف ، والتقدير : تكون أهوال وشدائد (١) .
﴿لَيْسَ لِوَقْعَتِها﴾ وحدوثها نفس ﴿كاذِبَةٌ﴾ ومنكرة إيّاها لشهودها وشهود أهوالها ، أو لا يوجد نفس كاذبة لأجل شدّتها وأهوالها ، ومن عظمتها أنّها ﴿خافِضَةٌ﴾ لأقوام ، و﴿رافِعَةٌ﴾ لآخرين عن ابن عباس : تخفض أقواما كانوا مرتفعين في الدنيا ، وترفع أقواما كانوا متّضعين فيها (٢) .
وعن السجاد عليهالسلام : « ﴿ إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ﴾ يعني القيامة ﴿خافِضَةٌ﴾ خفضت والله بأعداء الله إلى النار ﴿رافِعَةٌ﴾ رفعت والله أولياء الله إلى الجنّة » (٣) .
وقيل : إنّه بيان لنفي وجود الكاذب في ذلك اليوم (٤) ، والمعنى : ليس فيها نفس كاذبة تغيّر الكلام
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٩ : ١٤٠ ، تفسير أبي السعود ٨ : ١٨٨.
(٢) مجمع البيان ٩ : ٣٢٤ ، تفسير روح البيان ٩ : ٣١٦.
(٣) الخصال : ٦٤ / ٩٥ ، تفسير الصافي ٥ : ١١٩.
(٤) تفسير الرازي ٢٩ : ١٤١.