المعتزلة القائلين بأنّ العبد مستقل في أفعاله ، ولا يقدر الله على منعه منها وصرفه عنها ، هم القدرية ، لأنّهم اشركوا بالله خلقه في افعالهم.
ومقتضى حديث أمير المؤمنين عليهالسلام مع الشيخ الذي منعه عن المسير إلى الشام - حيث قال : أخبرنا يا أمير المؤمنين عن مسيرنا إلى الشام ، ألقضاء (١) من الله وقدر ؟ فقال علي عليهالسلام : « يا شيخ ، ما علوتم تلعة ، ولا هبطتم بطن واد ، إلّا بقضاء من الله وقدر » .
فقال الشيخ : عند الله أحتسب عنائي.
فقال علي عليهالسلام : « وتظنّ أنّه قضاء حتم ، أو قدر لازم ، لا إنّه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب ، والأمر والنهي ، والزجر من الله ، وسقط معنى الوعد والوعيد ، فلم تكن لائمة من الله للمذنب ، ولا محمدة للمحسن ، تلك مقالة عبدة الأوثان ، وخصماء الرحمن ، وقدرية هذه الأمّة » (٢) - أن الأشاعرة القائلين بأن افعال العباد مخلوقة لله.
وقال بعض الأفاضل : « تلك مقالة عبدة الأوثان » إشارة إلى الأشاعرة. وقوله : « قدرية هذه الامّة » إشارة إلى المعتزلة (٣) .
وقال بعض الأجلّة : القدرية هم المنسوبون إلى القدر ، ويزعمون أنّ كلّ عبد خالق فعله ، ولا يرون الكفر والمعاصي بتقدير الله ومشيئته ، فنسبوا إلى القدر لأنّه بدعتهم وضلالتهم (٤) .
وقال شارح ( المواقف ) : قيل : القدرية هم المعتزلة لاسنادهم أفعالهم إلى قدرتهم.
وفي الحديث : « لا يدخل الجنّة قدريّ ، وهو الذي يقول : لا يكون ما شاء الله ، ويكون ما شاء إبليس » .
﴿وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ * وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ *
وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ * إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي
جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (٥٠) و (٥٥)﴾
ثمّ بيّن سبحانه كمال قدرته بقوله : ﴿وَما أَمْرُنا﴾ لشيء إذا نريد إيجاده ﴿إِلَّا﴾ كلمة ﴿واحِدَةٌ﴾ لا تكرار فيها ، وهي كلمة ( كن ) التي يعبّر بها عن الإرادة التكوينية ، فاذا يكون الشيء المراد وجوده ويوجد بسرعة ويسير ﴿كَلَمْحٍ﴾ ونظر سريع ﴿بِالْبَصَرِ﴾ .
قيل : لمّا اشتملت الآيات السابقة على وعيد الكفار بالاهلاك عاجلا وآجلا ، والوعد للمؤمنين
__________________
(١) في الاحتجاج : أبقضاء.
(٢) الاحتجاج : ٢٠٨.
(٣) تفسير الرازي ٢٩ / ٧٠.
(٤) تفسير الرازي ٢٩ / ٦٩.