في تفسير سورة المزمّل
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ
وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (١) و (٥)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة الجنّ المتضمّنة لتعظيم القرآن ، وبيان تعجّب الجنّ منه ، واشتياقهم إليه ، وإيمانهم به ، وتهديد مكذّبيه ، وبيان بعض حوادث أوّل بعثة الرسول صلىاللهعليهوآله ، نظمت سورة المزّمّل المتضمنة لبيان عظمة القرآن ، وأمر الرسول بتلاوته وترتيله ، وتهديد مكذّبي الرسول وكتابه ، وبيان حال النبي صلىاللهعليهوآله في أوائل نزول الوحي إليه ، فافتتحها بذكر الأسماء الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ ابتدأها بخطاب النبي صلىاللهعليهوآله بصفة كانت له في أوّل نزول الوحي إليه تلطّفا وإيناسا ، كما هو دأب العرب بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾ والمتلفّف بثيابه.
عن ابن عباس : أول ما جاء جبرئيل إلى النبي صلىاللهعليهوآله خافه ، وظنّ أنّ به مسّا من الجنّ ، فرجع من جبل حراء إلى بيت خديجة مرتعدا ، وقال : زمّليني ، فبينما هو كذلك إذ جاء جبرئيل وناداه : ﴿يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾(١) .
أقول : ما قاله ابن عباس ينافي الأخبار الواصلة في بيان كيفية أول نزول جبرئيل ، وكون سورة ( اقرأ ) أول ما نزل.
وقيل : إنّه كان نائما متزمّلا بقطيفة ، فناداه جبرئيل بما يهجّن تلك الحالة ، والمعنى : يا أيّها النائم المتزمّل بثوبه ، قم واشتغل بالعبادة (٢) .
وقيل : إنّه كان متزمّلا في مرط لخديجة مستأنسا بها فقيل له : ﴿يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ﴾ واترك حظّ نفسك واشتغل بالعبادة (٣)﴿إِلَّا﴾ مقدارا ﴿قَلِيلاً﴾ منه ، أعني ﴿نِصْفَهُ﴾ فانّ النصف قليل بالنسبة
__________________
(١و٢) تفسير الرازي ٣٠ : ١٧١.
(٣) تفسير الرازي ٣٠ : ١٧١.