﴿كَيْداً﴾ وإساءة إليك في الخفاء منك ، كالقتل والحبس والاخراج من البلد ، أو حيلة وتدبير سوء في إطفاء نورك والاخلال في أمر رسالتك ؟
﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وأنكروا رسالتك ﴿هُمُ الْمَكِيدُونَ﴾ ومستحقّون لما ينزل بهم من العذاب غفلة وبغتة ، أو هم الذين يعود إليهم وبال مكرهم وكيدهم من القتل والعذاب بعلّة كفرهم ، لا من يريدون أن يكيدوه ، فانّه المنصور من الله قولا وفعلا وحجّة وسيفا ، أو هم المغلوبون في الكيد ، ألهم صبر على ما ينزل عليهم من العذاب ﴿أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ﴾ يحرسهم منه ؟ ﴿سُبْحانَ اللهِ﴾ وننزّهه ( عن ) شركة ما ﴿يُشْرِكُونَ﴾ به ، أو عن إشراكهم.
﴿وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ * فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا
يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ * يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ
* وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٥) و (٤٧)﴾
ثمّ بيّن كيفية نزول العذاب عليهم غفلة وبغتة بقوله تعالى : ﴿وَإِنْ يَرَوْا﴾ حين انقضاء مدّة إمهالهم ﴿كِسْفاً﴾ وقطعة من العذاب ، نازلا عليهم ﴿مِنَ السَّماءِ﴾ أو قطعة منها ، ﴿ساقِطاً﴾ عليهم ﴿يَقُولُوا﴾ من فرط الغفلة : هذا الذي نرى ﴿سَحابٌ﴾ غليظ ﴿مَرْكُومٌ﴾ ومنضم بعضه ببعض ، أو ملقى بعضه فوق بعض يمطرنا الساعة.
وقيل : إنّه بيان لغاية لجاجهم وعنادهم ، والمراد أنّهم في اللّجاج والعناد بحيث لو أسقطنا عليهم قطعة من السماء حسبما قالوا : ( أو تسقط علينا كسفا من السماء لقالوا هذا سحاب مركوم ) ولم يصدّقوا أنّه كسف من السماء ساقط عليهم لتعذيبهم (١) . فاذا كان لجاجهم وعنادهم إلى هذا الحدّ ﴿فَذَرْهُمْ﴾ واتركهم على حالهم ، ولا تتعب نفسك بالاصرار على دعوتهم ﴿حَتَّى يُلاقُوا﴾ ويعاينوا ﴿يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ﴾ ويهلكون بالعذاب ، أعني ﴿يَوْمَ لا يُغْنِي﴾ ولا يكفي في دفع العذاب ﴿عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ﴾ ومكرهم وتدبيرهم ﴿شَيْئاً﴾ من الإغناء ﴿وَلا هُمْ﴾ من جهة الغير ﴿يُنْصَرُونَ﴾ ويحفظون من العذاب.
ثمّ بيّن سبحانه أنّه لا يقتصر في حقّ المصرّين على العناد واللّجاج على عذاب الآخرة ، بل لهم في الدنيا عذاب أخف من عذاب الآخرة بقوله : ﴿وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ على أنفسهم بالإصرار على الكفر والعناد ، وعلى الله تعالى بتضييع حقّ ربوبيته ونعمته ، وعلى الرسول بتكذيبه وكفران نعمة هدايته.
__________________
(١) تفسير الصافي ٥ : ٨٢ ، تفسير الكشاف ٤ : ٤١٥.