جَنَّاتٌ﴾ كثيرة الأشجار ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ﴾ حال كونكم ﴿خالِدِينَ﴾ ومقيمين ﴿فِيها﴾ أبدا ، لا تخرجون منها طرفة عين ﴿ذلِكَ﴾ الثواب العظيم الذي أعدّه الله لكم ﴿هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ والنّيل بأعلى المطالب وأقصى المقاصد.
﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ
ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ
وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (١٣)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان حسن حال المؤمنين المخلصين ، بيّن سوء حال المنافقين بقوله : ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ﴾ لمّا رأو أنفسهم في ظلمة لا يمكنهم المشي فيها ، ورأوا المؤمنين تتلألأ وجوههم نورا يمشون بنورهم كالبرق الخاطف ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ عن صميم القلب : يا أيّها المؤمنون ﴿انْظُرُونا﴾ واستقبلونا بوجوهكم ، أو انتظرونا ﴿نَقْتَبِسْ﴾ ونستضيء ﴿مِنْ نُورِكُمْ﴾ ونمشي فيه معكم ﴿قِيلَ﴾ تخييبا (١) لهم وتهكّما بهم من جهة المؤمنين : أو الملائكة أيّها المنافقون والمنافقات ، ليس لكم من النور الذي حصّلناه في الدنيا بالايمان الخالص والأعمال الحسنة حظّ ونصيب ، فإن أردتم النور ﴿ارْجِعُوا﴾ إلى الدنيا التي خلّفتموها ﴿وَراءَكُمْ﴾ إن أمكنكم الرجوع إليها ﴿فَالْتَمِسُوا﴾ وحصّلوا لأنفسكم بالايمان الخالص والعلم والمعرفة ﴿نُوراً﴾ كنورنا تمشونا فيه.
قيل : إنّ الناس يكونون في ظلمة شديدة ، ثمّ المؤمنون يعطون الأنوار ، فإذا أسرع المؤمن في الذّهاب ، قال المنافقون : انظرونا نقتبس من نوركم. فيقال لهم : ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا. وهي خدعة خدع بها المنافقون. كما قال الله تعالى : ﴿يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ﴾(٢) فيرجعون إلى المكان الذي قسّم فيه النور ، فلا يجدون شيئا فينظرون إليهم (٣) .
﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ﴾ وبين المؤمنون ﴿بِسُورٍ﴾ وحائط عريض مرتفع ، كسور البلد ﴿لَهُ بابٌ﴾ يدخل فيه المؤمنون ، وداخل ذلك السّور الذي يلي المؤمنين و﴿باطِنُهُ﴾ وجوّه (٤)﴿فِيهِ الرَّحْمَةُ﴾ الالهية ، وهي الجنّة ﴿وَظاهِرُهُ﴾ وخارجه الذي يلي المنافقين ﴿مِنْ قِبَلِهِ﴾ يأتيهم ﴿الْعَذابُ﴾ وحاصله : أنّ بين الجنّة والنار سورا وحائطا ، قيل : هو حجاب الأعراف ، له باب يدخل المؤمنون من ذلك الباب الجنة ،
__________________
(١) في النسخة : تجنيتا.
(٢) النساء : ٤ / ١٤٢.
(٣) تفسير الرازي ٢٩ : ٢٣٥ ، تفسير روح البيان ٩ : ٣٦١.
(٤) جوّ كلّ شيء : باطنه وداخله.