ثمّ أكّد سبحانه تحضيضهم بتكرار كلمة التحضيض بقوله : ﴿فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ﴾ وغير مملوكين ومقهورين تحت قدرتنا ، أو غير مجزيين بأعمالكم في الآخرة ، تعيدون أنفسكم و ﴿تَرْجِعُونَها﴾ إلى الدنيا كما كنتم في الدنيا مختارين في الذهاب ، والإياب والقعود في الأماكن ، وحاصل المعنى ، والله أعلم : إنّ كنتم غير مملوكين ومخلوقين لنا ، أو غير مجزيين في دار الآخرة ، أو غير مقيمين فيها لاستيفاء جزاء الأعمال ، لم لا ترجعون أنفسكم إلى الدنيا ، لوضوح أنّه لو لا المقهورية تحت قدرتنا ، أو إرادتنا بقاءكم في الآخرة للجزاء ، لكنتم مختارين في الرجوع إلى الدنيا ، أو إرجاع أنفسكم بعد بلوغها إلى الحلقوم إلى ابدانكم ، كما كنتم مختارين في الرجوع إلى أيّ مكان تريدون ، أو أي عمل تهوون ﴿إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ في دعوى كونكم غير مخلوقين لله ، أو غير مجازين في الآخرة ، أو غير مقيمين في العذاب ، كما قالت اليهود : ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً﴾.
﴿فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ
أَصْحابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ
الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ
الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٨٨) و (٩٦)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد إثبات الحشر ، وذكر حال النّزع ، بيّن حال الفرق من الناس بعد خروج روحهم ، أو في المحشر بقوله تعالى : ﴿فَأَمَّا إِنْ كانَ﴾ الذي بلغت روحه حلقومه ، أو حشر في المحشر ﴿مِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ من الله ، السابقين إلى الإيمان والطاعة في الدنيا ﴿فَرَوْحٌ﴾ وراحة دائمة ، أو رحمة أبدية ، أو فرح بسبب لقاء الله ﴿وَرَيْحانٌ﴾ ورزق طيب مرضيّ ، أو ورق ، أو زهر طيب الرائحة ﴿وَجَنَّةُ﴾ الخلد التي ذات ﴿نَعِيمٍ﴾ لا يوصف.
عن الصادق عليهالسلام قال : « ﴿فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ﴾ يعني في قبره ﴿وَجَنَّةُ نَعِيمٍ﴾ يعني في الآخرة»(١) .
﴿وَأَمَّا إِنْ كانَ﴾ المتوفّى ﴿مِنْ﴾ جملة ﴿أَصْحابِ الْيَمِينِ﴾ وأهل اليمن والسعادة ، أو الواقفين عن يمين العرش ، أو يمين المحشر ، أو الذين يؤتون كتابهم بأيمانهم ﴿فَسَلامٌ﴾ وأمان ابدي من جميع الآفات والمكروهات ﴿لَكَ﴾ يا صاحب اليمن والسعادة والكرامة ﴿مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ﴾.
قيل : إنّ المراد أنّ اصحاب اليمين كلّ يبشّر الآخر بالسلامة من المكاره ، كما دلّ عليه قوله تعالى : ﴿لا
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٣٥٠ ، أمالي الصدوق : ٣٦٥ / ٤٥٥ و: ٥٦١ / ٧٥٣ ، تفسير الصافي ٥ : ١٣٠.