﴿ثُمَ﴾ بعد إتمام خلقه في الرّحم ﴿السَّبِيلَ﴾ إلى الخروج منه ﴿يَسَّرَهُ﴾ وسهّله بأن فتح له باب الرّحم ونكّسه وقلبه بأن صيّر رجله من فوق ورأسه من تحت ، أو المراد أنّه تعالى بعد كبره سهّل له سبيل الخير والشرّ في الدين والسعادة والشقاوة ، ومكّنه من السلوك فيهما ﴿ثُمَ﴾ إنّه تعالى بعد انقضاء أجله ومدّة حياته ﴿أَماتَهُ﴾ بقدرته ﴿فَأَقْبَرَهُ﴾ ودفنه في الأرض تكرمة له وحفظا له من أن يبقى على الأرض فتأكله السّباع والطيور ﴿ثُمَّ إِذا شاءَ﴾ ربّه انشاره ﴿أَنْشَرَهُ﴾ وبعثه للحساب وجزاء الأعمال.
﴿كَلَّا﴾ ليس للإنسان التكبّر والترفّع والكفر والطغيان وإنكار البعث ﴿لَمَّا يَقْضِ﴾ الانسان ولم يمتثّل ﴿ما أَمَرَهُ﴾ الله به من الايمان والطاعة ، بل أخلّ به بالكفر والعصيان مع أنّ حقّ نعمائه أن يؤدّي جميع ما أمره به.
﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا *
فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدائِقَ غُلْباً *
وَفاكِهَةً وَأَبًّا (٢٤) و (٣١)﴾
ثمّ عدّ سبحانه إنعامه على الانسان بقوله : ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ﴾ ومأكوله الذي يعيش به ، كيف دبّرنا أمره ؟ وعن الباقر عليهالسلام أنّه سئل : ما طعامه ؟ قال : « علمه الذي يأخذه عمّن يأخذه » (١) .
﴿أَنَّا صَبَبْنَا﴾ وأنزلنا من السماء بالأمطار ﴿الْماءَ﴾ أولا ﴿صَبًّا﴾ نافعا وافيا للنباتات ﴿ثُمَ﴾ بعد إنزال الماء ﴿شَقَقْنَا الْأَرْضَ﴾ بالنبات ﴿شَقًّا﴾ لائقا بما يخرج من الأرض ما ينبت منها صغرا وكبرا ﴿فَأَنْبَتْنا فِيها﴾ بقدرتنا ورحمتنا ﴿حَبًّا﴾ كثيرا نافعا من الحنطة والشعير وأضرابهما ممّا يحصد ﴿وَعِنَباً﴾ وشجر كرم ثمره غذاء وفاكهة ﴿وَقَضْباً﴾ ورطبا مقطوعا من النخل ، كما عن ابن عباس (٢) . أو الرّطبة التي يقال لها بالفارسية ( اسپست ) وإذا يبست سمّيت ( بالفت ) وهو علف الدوابّ والأنعام ، كما في رواية اخرى عن ابن عباس (٣) . وقيل : إنّه كلّ نبات يؤكل رطبا كالكرّاث (٤) . وقيل : إنّه مطلق العلف (٥) .
﴿وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً﴾ الذين هما أنفع الأشجار ﴿وَحَدائِقَ﴾ وبساتين ﴿غُلْباً﴾ ومتكاثفة الأشجار ، أو ملتفها ، أو ذوات أشجار عظام ، كما عن ابن عباس (٦) ﴿وَفاكِهَةً﴾ وثمارا يلتذّ بها ﴿وَأَبًّا﴾ وحشيشا
__________________
(١) الكافي ١ : ٣٩ / ٨ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٨٧.
(٢) تفسير روح البيان ١٠ : ٣٣٨.
(٣) تفسير الرازي ٣١ : ٦٢.
(٤) تفسير روح البيان ١٠ : ٣٣٨.
(٥) تفسير الرازي ٣١ : ٦٢.
(٦) تفسير الرازي ٣١ : ٦٣.