كانُوا يُوعَدُونَ* ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ﴾(١) وأنزل عليه ﴿إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ جعل الله ليلة القدر لنبيه صلىاللهعليهوآله خيرا من ألف شهر ملك بني امية»(٢) .
ذكر اشكال بعض العامة وردّه
ثمّ اعلم أنّه طعن بعض العامة في تلك الروايات بأنّ أيام ملك بني امية كانت مذمومة ، فكيف يبيّن الله تعالى فضل تلك الليلة بكونها خيرا من الشهور المذمومة (٣) ؟
وردّه بعضهم بأنّ أيام ملكهم كانت أياما عظيمة بحسب السعادات الدنيوية ، فيكون المراد أنّ ليلة القدر بحسب السعادات الدينية أفضل من تلك السعادات الدنيوية ، كقوله : ﴿لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾(٤) . الكفار من الأموال والزخارف الدنيوية (٥) .
والأولى في دفعه أن نقول : إنّ الله صلّى نبيه صلىاللهعليهوآله ببشارة تزول غمّه ، فانّه صلىاللهعليهوآله اغتمّ بسلطنة بني امية وإضلالهم الناس عن الصراط ، فسرّ الله قلبه الشريف بالبشارة بأفضلية عبادة تلك الليلة لامّته من عبادة تلك المدّة ، كما يسلّى من تلفت أمواله ببشارته برجوع ولده من سفر خطير سالما غانما.
﴿تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد بيان علوّ قدر تلك الليلة ذاتا ، بيّن ما استتبع ذلك الشرف وعلوّ القدر من الفضل بقوله : ﴿تَنَزَّلُ﴾ وتهبط ﴿الْمَلائِكَةُ﴾ المقرّبون كلّهم فوجا إلى الأرض ، أو إلى السماء الدنيا ، ليروا عبادة أهل الأرض واجتهادهم فيها ، ويسلّموا عليهم ويزوروهم ويصافحوا معهم.
روي عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « أنّهم ينزلون ليسلّموا علينا ، وليشفعوا لنا ، فمن أصابته التسليمه غفر له ذنبه » (٦) أو ليزيد فضل عباده المؤمنين بحضورهم.
﴿وَ﴾ ينزل ﴿الرُّوحُ﴾ القدس ، وهو جبرئيل ، وإفراده بالذكر مع كونه من الملائكة لتعظيمه.
عن كعب : أنّ في سورة المنتهى ملائكة لا يعلم عددهم إلّا الله تعالى ، يعبدون الله ، ومقام جبرئيل في وسطها ، ليس فيها ملك إلّا وقد اعطى الرّأفة والرحمة للمؤمنين ، ينزلون مع جبرئيل ليلة القدر ، فلا تبقى بقعة من الأرض إلّا وعليها ملك ساجد أو قائم يدعو للمؤمنين والمؤمنات ، أحدا إلا صافحه ، وعلامة ذلك من اقشعرّ جلده ورقّ قلبه ودمعت عيناه ، فانّ ذلك من مصافحة جبرئيل.
__________________
(١) الشعراء : ٢٦ / ٢٠٥ - ٢٠٧.
(٢) الكافي ٤ : ١٥٩ / ١٠ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٥١.
(٣) تفسير الرازي ٣٢ : ٣١.
(٤) آل عمران : ٣ / ١٥٧.
(٥) تفسير الرازي ٣٢ : ٣١.
(٦) تفسير الرازي ٣٢ : ٣٣.