﴿وَأَلْقَتْ﴾ ورمت ﴿ما فِيها﴾ من الكنوز والموتى من بطنها إلى ظاهرها بالزّلزال ﴿وَتَخَلَّتْ﴾ عمّا تحمله بحيث لا يبقى فيها شيء ﴿وَأَذِنَتْ﴾ وانقادت ﴿لِرَبِّها﴾ في الإلقاء والتخلّي ﴿وَحُقَّتْ﴾ بهذا الانقياد ، وحقيقته لأنّه شأن الممكن بالنسبة إلى الواجب ، فعند ذلك وقعت الواقعة العظمى ، وظهرت الأهوال التي قصرت الألسن عن شرحها ووصفها.
﴿يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ﴾ الغافل عن عاقبة أمرك ﴿إِنَّكَ كادِحٌ﴾ ومجدّ وساع في دنياك ، ومجتهد في تحصيل شهواتك ﴿إِلى﴾ لقاء ﴿رَبِّكَ﴾ بالموت ﴿كَدْحاً﴾ وجدّا بليغا ﴿فَمُلاقِيهِ﴾ بعد الموت لا محالة ، وحاضر في محكمة عدله تعالى البتة لا مفرّ منه.
وقيل : إنّ ضمير ( ملاقيه ) راجع إلى الكدح (١) ، والمعنى فأنت ملاق كدحك وعملك بملاقاة صحيفة الأعمال.
﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً * وَيَنْقَلِبُ إِلى
أَهْلِهِ مَسْرُوراً * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً *
وَيَصْلى سَعِيراً * إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ * بَلى إِنَّ رَبَّهُ
كانَ بِهِ بَصِيراً * فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا
اتَّسَقَ (٧) و (١٨)﴾
ثمّ بيّن سبحانه اختلاف أفراد الانسان في كتاب الأعمال بقوله : ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ﴾ يوم القيامة ﴿بِيَمِينِهِ﴾ وهو المؤمن الصالح الذي كتب أعماله الملك القاعد عن يمينه ﴿فَسَوْفَ يُحاسَبُ﴾ هذا المؤمن ﴿حِساباً يَسِيراً﴾ وسهلا لا مناقشة فيه ولا اعتراض عليه بما يسوء ، وهو على ما قيل : أن يعرف طاعته ومعصيته ، فيثاب على طاعته وتغفر معصيته (٢) .
﴿وَ﴾ إذن ﴿يَنْقَلِبُ﴾ وينصرف ﴿إِلى أَهْلِهِ﴾ وعياله وذريّاته إن كانوا في الجنّة ، أو إلى حور العين ﴿مَسْرُوراً﴾ وفرحا بنجاته من النار وفوزه بالجنة.
عن عائشة قالت : سمعت رسول الله يقول : « اللهمّ حاسبني حسابا يسيرا » قلت : ما الحساب اليسير ؟ قال : « ينظر في كتابه ويتجاوز عن سيئاته ، فأمّا من نوقش في الحساب فقد هلك » (٣) .
وعنها أنّها قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « من نوقش في الحساب فقد هلك » فقلت : يا رسول الله ، إنّ
__________________
(١) تفسير الرازي ٣١ : ١٠٥.
(٢) تفسير الرازي ٣١ : ١٠٦ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٣٧٧.
(٣) تفسير الرازي ٣١ : ١٠٦.