﴿فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ *
سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ
أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (٥) و (٧)﴾
ثمّ بيّن سبحانه ما نزل على المكذّبين للقيامة من العذاب بقوله : ﴿فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا﴾ لتكذيبهم بهذا اليوم ﴿بِالطَّاغِيَةِ﴾ والصيحة المتجاوزة عن حدّ الصيحات في الشدّة (١) فارجفت الأرض وتقطّعت منها القلوب ﴿وَأَمَّا عادٌ﴾ الذين هم أشدّ طغيانا وعتوّا من ثمود ﴿فَأُهْلِكُوا﴾ لتكذيبهم مع كمال قوّتهم ﴿بِرِيحٍ صَرْصَرٍ﴾ وباردة أو شديدة الصوت ﴿عاتِيَةٍ﴾ ومتجاوزة عن الحدّ في الشدّة والعصف ، كأنّها عتت على خزّآنها ولم يتمكّنوا من ضبطها ﴿سَخَّرَها﴾ الله وأرسلها بقدرته القاهرة إلى قوم عاد ، وسلّطها ﴿عَلَيْهِمْ﴾ غضبا وانتقاما منهم ﴿سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ﴾ حال كون تلك الرياح ﴿حُسُوماً﴾ ومتواليات ومتتابعات ، وما خفّف هبوبها تلك المدّة ساعة حتّى أهلكتهم ، أو نحسات حسمت كلّ خير ، أو قاطعات حيث قطعت دابر القوم ﴿فَتَرَى﴾ يا محمد ، أو أيّها الرائي إن كنت حاضرا حينئذ ﴿الْقَوْمَ﴾ جميعهم مع كمال قوتهم وعظم أجسامهم ﴿فِيها صَرْعى﴾ ومطروحين على الأرض ميتين ﴿كَأَنَّهُمْ﴾ في عظم الأجسام وطولها وعدم الحركة لها ﴿أَعْجازُ نَخْلٍ﴾ وأصولها المقطوعة حال كونها ﴿خاوِيَةٍ﴾ ومجوّفة. قيل : كانت الريح تدخل من أفواههم ، ويخرج ما في أجوافهم من أدبارهم(٢) .
﴿فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ * وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ *
فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً * إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي
الْجارِيَةِ * لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (٨) و (١٢)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في بيان هلاكة جميعهم بقوله : ﴿فَهَلْ تَرى﴾ أيّها الرائي ﴿لَهُمْ مِنْ﴾ نفس ﴿باقِيَةٍ﴾ حبّه ، أو من بقية من ذكر أو انثى ، أو كبير أو صغير ؟ لا والله لا ترى منهم أحدا ﴿وَجاءَ فِرْعَوْنُ﴾ موسى ﴿وَمَنْ﴾ كان ﴿قَبْلَهُ﴾ وتقدّمه من الكفّار ﴿وَ﴾ أهل القرى ﴿الْمُؤْتَفِكاتُ﴾ والمنقلبات ، وهي قرى قوم لوط وأتوا (٣)﴿بِالْخاطِئَةِ﴾ والمعصية العظيمة ، أو الأفعال السيئة العظيمة كتكذيب البعث ﴿فَعَصَوْا﴾ كلّهم ﴿رَسُولَ رَبِّهِمْ﴾ حين نهوا عمّا كانوا عليه من القبائح ﴿فَأَخَذَهُمْ﴾ الله بذنوبهم وكفرهم وتكذيبهم البعث وابتلائهم بالعقاب ﴿أَخْذَةً رابِيَةً﴾ وعقوبة زائدة في الشدّة على عقوبات
__________________
(١) في النسخة : الشديدة.
(٢) تفسير روح البيان ١ » : ١٣٤.
(٣) في النسخة : والوا.