حظّنا ، وممنوعون من رزقنا.
ثمّ استدلّ سبحانه على قدرته الكاملة بإنزال ما يشربونه من الماء العذب بقوله : ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ﴾ وأخبروني عنه ﴿أَأَنْتُمْ﴾ بقدرتكم ﴿أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ﴾ والسّحاب المتّصل بالماء ﴿أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ﴾ له بقدرتنا لشربكم الذي هو أهمّ منافعكم ، وبه بقائكم ؟
ثمّ بالغ سبحانه في إظهار قدرته بقوله : ﴿لَوْ نَشاءُ﴾ عدم استقائكم ﴿جَعَلْناهُ﴾ وصيّرناه ﴿أُجاجاً﴾ ومرّا من شدّة الملوحة ، فلا يمكنكم شربه ﴿فَلَوْ لا﴾ وهلّا ﴿تَشْكُرُونَ﴾ الله على إكمال نعمة مأكولكم بنعمة مشروبكم ؟ قيل : تصدير جزاء الشرطية الأولى باللام للدلالة على أن سلب نعمة المأكول أشدّ على [ الانسان من سلب ] نعمة المشروب ، لكون الحاجة إلى المشروب تبع للحاجة إلى المأكول (١) .
عن ابن عباس : أنّ تحت العرش بحر تنزل [ منه ] أرزاق الحيوانات ن يوحي الله إليه ما شاء من السماء إلى السماء ، حتى ينتهي إلى سماء الدنيا ، ثمّ يوحي الله إلى سماء الدنيا أن غربليه فتغربله ، فليس من قطرة تقطر إلّا ومعها ملك يضعها موضعها ، ولا تنزل من السماء قطرة إلّا بكيل معلوم ووزن معلوم ، إلّا ما كان من يوم الطّوفان ، فانّه نزل بغير كيل ووزن (٢) .
﴿أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ *
نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (٧١) و (٧٣)﴾
ثمّ استدلّ سبحانه بالنار المنقدحة من الزّناد بقوله : ﴿أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ﴾ وأخبروني عن البرقة التي تقدحونها وتخرجونها من عودين يحك أحدهما بآخر ﴿أَأَنْتُمْ﴾ أيّها العرب ﴿أَنْشَأْتُمْ﴾ وأوجدتم بقدرتكم ﴿شَجَرَتَها﴾ التي منها الزّند والزّندة ، وهي المرخ والعفار (٣) ؟ وقيل : اريد مطلق الشجر الذي يصلح للإيقاد (٤)﴿أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ﴾ والموجدون لها بقدرتنا ؟
ثمّ بيّن سبحانه منافع النار بقوله : ﴿نَحْنُ﴾ بقدرتنا وحكمتنا ﴿جَعَلْناها تَذْكِرَةً﴾ ومنبها لصحة البعث ، حيث إنّ من قدر على إيداع النار في الشجر الأخضر ، قادر على أن يخلق في بدن الميت حرارة غريزية يحيا بها الميت ، أو تذكرة لنار القيامة ، فيخشى العاقل من عذاب ربّه إذا رأى النار الموقدة ﴿وَمَتاعاً﴾ ومنفعة مهمة ﴿لِلْمُقْوِينَ﴾ والمسافرين الذين ينزلون البوادي والقفار ، فانّهم اشدّ
__________________
(١و٢) تفسير روح البيان ٩ : ٣٣٤.
(٣) المرخ : شجر سريع الوري يقتدح به. والعفار : شجر يتّخذ منه الزّناد.
(٤) تفسير الرازي ٢٩ : ١٨٤.