والعشرين منه (١) .
﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً * فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ
كَفُوراً (٢٣) و (٢٤)﴾
ثمّ لمّا ذكر سبحانه حسن طاعة الشاكرين وحالهم في الآخرة ، صلّى رسوله وقوّى قلبه على تحمّل أذى المشركين بقوله : ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ﴾ يا نبي الرحمة ﴿الْقُرْآنَ﴾ العظيم الشأن بتوسّط جبرئيل ﴿تَنْزِيلاً﴾ مقرونا بجهات من الإعجاز وشواهد الصدق ، أو تنزيلا مفرّقا منجّما ، لاقتضاء الحكمة البالغة اختصاص كلّ آية أو سورة بوقت معين ، فلا تعتن بقول المعاندين إنّه سحر ، أو شعر ، أو كهانة ، أو اختلاق البشر ، فاذا علمت تلك النعمة العظيمة ﴿فَاصْبِرْ﴾ على أذى المشركين ﴿لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ بتأخير الإذن في قتالهم ونصرك على أعدائك ، فانّ له عاقبة حميدة ﴿وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ﴾ كلّ من كان ﴿آثِماً﴾ وعاصيا لربّه في أمرك بعصيان الله بترك تبليغ الرسالة ﴿أَوْ﴾ كان ﴿كَفُوراً﴾ ومصرّا على الكفر والطغيان في أمرك بالرجوع إلى دينهم.
قيل : إنّ المراد بالآثم عتبة بن ربيعة ، فانّه كان متعاطيا إلى أنواع الفسوق ، وبالكفور الوليد بن المغيرة فانّه كان غاليا في الكفر (٢) وقيل : بالعكس ، فان الله سمّى الوليد أثيما ، حيث قال في حقّه : ﴿مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ﴾(٣) .
روي أنّ عتبة قال للنبي صلىاللهعليهوآله : ارجع عن هذا الأمر حتى ازوّجك بنتي ، فانّي من أجمل قريش بناتا: وقال الوليد : أنا اعطيك من المال حتّى ترضى ، فانّي من أكثرهم مالا ، فقرأ عليهم رسول الله عشر آيات من أول حم السجدة ، إلى قوله : ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ﴾(٤) فانصرفا عنه ، قال أحدهما : ظننت أن الكعبة ستقع عليّ (٥) .
﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً *
إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً * نَحْنُ خَلَقْناهُمْ
وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً (٢٥) و (٢٨)﴾
__________________
(١) مناقب ابن شهر آشوب ٣ : ٣٧٥ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٦٢.
(٢) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٥٨ ، تفسير أبي السعود ٩ : ٧٥.
(٣) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٥٨ ، والآية من سورة القلم : ٦٨ / ١٢.
(٤) فصلت : ٤١ / ١٣.
(٥) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٥٨.