قيل : يعني الذي علّم آدم الأسماء وفضّله بها على الملائكة ، هو الذي علّمكم القرآن ، وفضّلكم به على جميع الامم (١) .
وقيل : إنّ المعنى جعل القرآن علامة لنبوة محمد صلىاللهعليهوآله ومعجزة له ، كما جعل شقّ القمر الذي أخبر به في أوّل السورة السابقة علامة لنبوته ومعجزة له (٢) .
وقيل : إنّ المراد أنّه تعالى علّم القرآن أولا ملائكته المقرّبين (٣) ، ثمّ بيّن أنّه علّمه ثانيا الانسان بقوله تعالى : ﴿خَلَقَ الْإِنْسانَ﴾ . قيل : إنّ المراد جنسه (٤) ، وقيل : إنّ المراد محمد (٥) . و ﴿عَلَّمَهُ الْبَيانَ﴾ وهو القرآن الذي فيه تبيان كلّ شيء.
وقيل : إنّه تعالى ذكر أولا أعظم النّعم ، وهو تعليم القرآن (٦) ، ولم يذكر من علمه لعظم نعمة التعليم ، ثمّ بيّن من علمه بقوله : ﴿خَلَقَ الْإِنْسانَ﴾ ثمّ بيّن كيفية تعليمه بقوله : ﴿عَلَّمَهُ الْبَيانَ﴾ وطريق كشف ما في الضمير بالنّطق وفهمه ، والحقّ أنّ المراد تعداد عظائم نعمه على الانسان ومطالبته بالشكر فذكر أولا أعظم النّعم التي (٧) لا نعمة لأحد مع فقدها ، ثمّ أعظم النّعم الداخلية بعدها ، وهو نعمة وجود الانسان ، ثمّ أعظم النّعم بعد نعمة الوجود ، وهو نعمة البيان والمنطق ، فانّه به يمتاز عن غيره من الحيوانات.
﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (٥) و (٦)﴾
ثمّ ذكر بعد النعمتين الداخلتين نعمتين خارجتين ظاهريتين سماويتين بقوله : ﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ بجريانهما ﴿بِحُسْبانٍ﴾ وحركات مقدّرة في برجهما ومنازلهما ، آتيين لها في فلكيهما ، بحيث ينتظم بها امور العالم السّفلى ، وتختلف الفصول والأوقات ، ويعلم بها السنون والشهور ، مع أنّ لوجودهما وكونهما فوق الأرض منافع مهمّة لا تحصى ، كزوال الظّلمة ، وتربية الأجسام ، وتنمية النباتات والأشجار ، وتربية المعادن والزراعات ، ونضج الثّمار وغير ذلك.
ثمّ بيّن نعمتين ظاهرتين أرضيتين ، بهما بقاء الانسان والحيوان ومعاشهما بقوله : ﴿وَالنَّجْمُ﴾ وهو النبات الذي لا ساق له ، كالبقول والحشيش والعشب المنبسطة على الأرض ﴿وَالشَّجَرُ﴾ وهو النبات الذي له ساق كالحنطة والشعير والشجر والنخل وغيرها ﴿يَسْجُدانِ﴾ وينقادان لأمره تعالى وإرادته
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ٢٨٨.
(٢) تفسير الرازي ٢٩ : ٨٢.
(٣) تفسير الرازي ٢٩ : ٨٤.
(٤) تفسير الرازي ٢٩ : ٨٥ ، تفسير روح البيان ٩ : ٢٨٩.
(٥) تفسير الرازي ٢٩ : ٨٥.
(٦) تفسير الرازي ٢٩ : ٨٥.
(٧) في النسخة : الذي.