في تفسير سورة الجمعة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ *
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١) و (٣)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة الصفّ المبدوءة بتعظيم الله تعالى ببيان تسبيح الموجودات له بصيغة الماضي ، المتضمّنة لبيان رسالة محمّد صلىاللهعليهوآله ، وبشارة عيسى عليهالسلام ببعثته ، وكونه على الهدى ودين الحقّ ، المختتمة بدعوة الناس إلى التجارة الرابحة ، وهو الايمان به والجهاد معه ، نظمت سورة الجمعة المبدوءة أيضا بتعظيم الله ببيان تسبيح جميع الموجودات له بصيغة المضارع الدالة على دوام التسبيح له في جميع الأوقات : الماضي والمستقبل ، المتضمّنة لبيان رسالة محمد صلىاللهعليهوآله وعموميتها لكافة العرب والعجم والمشركين وأهل الكتاب ، وأنّ نبوته ودينه من أعظم فضل الله وإنعامه على الخلق ، وذمّ المكذبين بآيات الله والمعرضين عن التوراة التي بشّرت برسالته ، وحثّ الناس على ذكر الله وعبادته ، وتوبيخ المقبلين إلى التجارة الدنيوية ، وكون ما عند الله من الثواب خيرا منها ، فابتدأها بذكر الأسماء المباركات بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ عظّم سبحانه ذاته المقدّسة ببيان تسبيح الموجودات له بقوله : ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ﴾ ثمّ وصف ذاته بالسلطنة على جميع الموجودات المقتضية لكونها بأجمعها جنوده بقوله : ﴿الْمَلِكِ﴾ والسّلطان الذي لا زوال لملكه وسلطانه ﴿الْقُدُّوسِ﴾ والمنزّه والمبرّأ من كلّ عيب ونقص ﴿الْعَزِيزِ﴾ والغالب على كلّ شيء ﴿الْحَكِيمِ﴾ والفاعل لما هو الأصواب والأصلح ، والواضع لكلّ شيء في موضعه ، والمعطي لكلّ شيء ما يستحقّه ويليق به ، ثمّ منّ على الخلق ببعثة النبيّ الاميّ صلىاللهعليهوآله الذي هو من آثار سلطنته وقدرته وحكمته بقوله : ﴿هُوَ﴾ السلطان القادر الحكيم ﴿الَّذِي بَعَثَ﴾ بحكمته ولطفه ﴿فِي﴾ المشركين ﴿الْأُمِّيِّينَ﴾ الذين لا يعلمون الكتابة والخطّ ، ولم يقرءوا