الأهوال والعذاب ﴿وَاللهُ﴾ الخالق لشراشركم وجميع أجزائكم ﴿بِما تَعْمَلُونَ﴾ من الموادّة للكفار وإرسال الكتاب إليهم وسائر معاصيكم وزلّاتكم الجلية والخفية ﴿بَصِيرٌ﴾ لأنّ جميعها بمنظر منه ومرآة ، كأنّه يدرك جميعها بحسن البصر.
﴿قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا
مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ
وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ
وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ *
رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ (٤) و (٥)﴾
ثمّ بيّن سبحانه أنّ وظيفة الايمان التبرّي من الأهل والأقارب إذا كانوا مشركين ، كما تبرأ إبراهيم عليهالسلام والمؤمنون به من أقاربهم بقوله : ﴿قَدْ كانَتْ لَكُمْ﴾ أيّها المؤمنون بمحمد صلىاللهعليهوآله ﴿أُسْوَةٌ﴾ وقدوة وتبعة ﴿حَسَنَةٌ﴾ مرضية كاملة ﴿فِي﴾ عمل ﴿إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ﴾ آمنوا بالله وشاركوا ﴿مَعَهُ﴾ في التوحيد من سائر الأنبياء والأولياء والمؤمنين ﴿إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ﴾ وأقاربهم المشركين ﴿إِنَّا بُرَآؤُا﴾ ومتنفّرون ﴿مِنْكُمْ﴾ لشرككم ﴿وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ﴾ من الأصنام والأوثان والكواكب وغيرها وأعداؤكم وأعداؤها.
ثمّ بالغوا في تبرّيهم منهم بقولهم : ﴿كَفَرْنا بِكُمْ﴾ وتبرّأنا منكم ، كما عن أمير المؤمنين عليهالسلام (١) ، أو أنكرنا دينكم ﴿وَبَدا﴾ وظهر ﴿بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ﴾ لاختلافنا في الدين ﴿الْعَداوَةُ﴾ وطلب الشرّ والضرّ لكم ﴿وَالْبَغْضاءُ﴾ والغضب عليكم ﴿أَبَداً﴾ دائما ﴿حَتَّى﴾ تتركوا الشّرك و﴿تُؤْمِنُوا﴾ عن صميم القلب ﴿بِاللهِ وَحْدَهُ﴾ فحينئذ تنقلب العداوة والبغضاء بالصداقة والمحبّة والالفة ، فعليكم أيّها المؤمنون الاقتداء باپراهيم عليهالسلام في أقواله ﴿إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ﴾ إشفاقا ﴿لِأَبِيهِ﴾ آزر المشرك برجاء إيمانه ، ولموعدة وعدها إياه ﴿لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ﴾ يا أبه ، فانّ الاستغفار هو الذي أقدر عليه ﴿وَما أَمْلِكُ لَكَ﴾ وليس في قدرتي ﴿مِنْ﴾ دفع عذاب ﴿اللهِ﴾ عنك ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾ يسير إن دمت على الشرك ، وإنّما وعده الاستغفار لكونه راجيا إيمانه بالتوحيد ، فليس لكم أيّها المؤمنون أن تتأسّوا وتقتدوا بإبراهيم في استغفاره للمشرك بأن تستغفروا للمشركين ، لأنّه موادّة ولغو ، لعدم إمكان المغفرة لهم ،
__________________
(١) التوحيد : ٢٦٠ / ٥ ، تفسير الصافي ٥ : ١٦٢.