في تفسير سورة المعارج
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ * لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ * مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ (١) و (٣)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة الحاقة المتضمّنة لبيان عظمة يوم القيامة وعذاب مكذّبيه وأهواله حين وقوعه ، وحسن حال المؤمنين به وسوء حال الكافرين ومانعي حقوق المساكين ، وأنّه ليس لهم في ذلك اليوم حميم ، وبيان عظمة القرآن وتسلية الرسول صلىاللهعليهوآله ، نظمت سورة المعارج المتضمّنة لبيان عذاب الكفار ، وقرب وقوع القيامة وطول مدّتها وأهوالها ، وغفلة الحميم عن حميمه ، وحسن حال المؤمنين المؤدّين حقوق الفقراء ، وسوء حال الكفّار ، وتسلية النبي صلىاللهعليهوآله وأمره (١) بالصبر على أذى قومه إلى غير ذلك من وجوه المناسبات بين السورتين ، فافتتحها بذكر الأسماء الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ حكى سبحانه شدّة خباثة بعض الكفّار وجرأته على الله بقوله : ﴿سَأَلَ سائِلٌ﴾ ودعا داع ﴿بِعَذابٍ واقِعٍ﴾ لا محالة ﴿لِلْكافِرينَ﴾ وعليهم كما عن ابن عباس ، إمّا في الدنيا وإمّا في الآخرة (٢)﴿لَيْسَ لَهُ﴾ إذا جاء وقته أو اقتضته حكمته ﴿دافِعٌ﴾ ومانع ﴿مِنَ﴾ جانب ﴿اللهِ ذِي الْمَعارِجِ﴾ ومالك السماوات التي هي المصاعد للملائكة الذين هم مدبّرات الامور ومقسّمات الأرزاق ، وإنّما سمّى السماوات معارج لكون بعضها فوق بعض كالمدارج ، أو المراد ذي مراتب من النّعم ، أو ذي الدرجات التي يعطيها أولياءه في الجنّة.
عن ابن عباس : نزلت الآية في النّضر بن الحارث من بني عبد الدار حيث قال إنكارا للقرآن واستهزاء به : ﴿اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ﴾(٣) .
وقيل : إنّه لمّا بعث محمد صلىاللهعليهوآله وخوف المشركين بالعذاب ، قال بعضهم لبعض : سلوا محمدا لمن
__________________
(١) في النسخة : وأمر.
(٢و٣) تفسير روح البيان ١٠ : ١٥٣.