وعن البراء أنّه خطبنا النبي صلىاللهعليهوآله يوم النحر ، فقال : « إنّ أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلّي ثمّ نرجع وننحر ، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنّتنا ، ومن ذبح قبل أن نصلّي فانّما هو لحم عجّله لأهله ، ليس من النّسك في شيء » (١) .
وعن عائشة : أنّها نزلت في النهي عن صوم يوم الشكّ ، والمعنى لا تصوموا قبل أن يصوم نبيّكم(٢).
وعن الحسن : لمّا استقرّ رسول الله صلىاللهعليهوآله بالمدينة ، أتته الوفود من الآفاق ، فأكثروا عليه بالمسائل ، فنهوا عن أن يبتدؤا بالمسألة حتى يكون النبي صلىاللهعليهوآله هو المبتدئ (٣) ، والظاهر والاعتبار مقتضي لأن يكون النهي عن كلّ ما يقدّم عليه سواء كان بالقول أو بالفعل ، كالأكل والمشي وغيرهما.
كرّر النداء بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ازديادا لاظهار اللّطف بهم والاهتمام بالمنادى له واستقلاله ﴿لا تَرْفَعُوا﴾ ولا تعلوا ﴿أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ﴾ في تكلّمكم عنده تعظيما له وتأدّبا منه.
روى بعض العامة عن عبد الله بن الزبير : أنّ الأقرع بن حابس من بني تميم ، قدم على النبي صلىاللهعليهوآله ، فقال أبو بكر : يا رسول الله ، استعمله على قومه. فقال عمر : لا نستعمله يا رسول الله ، بل استعمل القعقاع بن معبد. فتكلّما عند النبي صلىاللهعليهوآله حتى ارتفعت أصواتهما ، فقال أبو بكر لعمر : ما أردت إلّا خلافي. فقال عمر : ما أردت خلافك. فنزلت الآية ، فكان عمر بعد ذلك إذا تكلّم عند النبي صلىاللهعليهوآله لا يسمع كلامه حتى يستفهمه ، وقال أبو بكر : آليت على نفسي أن لا اكلّم النبي صلىاللهعليهوآله إلّا سرّا (٤) .
أقول : العجب من العامة القائلين بأفضلية الرجلين على أمير المؤمنين عليهالسلام ، وروايتهم عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال : « ما طلعت شمس ، وما غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين خير - أو أفضل - من أبي بكر » (٥) مع أنّهم رووا نزول كثير من الآيات في ردع الرجلين عن زلاتهما ، ولم يرو نزول آية في ردع أمير المؤمنين عليهالسلام عن زلّة ، بل ما نزلت آية فيه إلّا وفيها مدحة وبيان فضله.
﴿وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا
تَشْعُرُونَ (٢)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد النهي عن تعلية الصوت على صوت النبي صلىاللهعليهوآله حين مكاملته ، نهى عن تسوية الصوت في الجهر لصوته بقوله : ﴿وَلا تَجْهَرُوا﴾ أيّها المؤمنون بالنبي صلىاللهعليهوآله ﴿لَهُ﴾ بصوتكم
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ٦٢.
(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٦٢.
(٣) تفسير روح البيان ٩ : ٦٢.
(٤) تفسير روح البيان ٩ : ٦٣.
(٥) تفسير روح البيان ٩ : ٦٢.