في تفسير سورة الحشر
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * هُوَ الَّذِي
أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ (١) و (٢)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة المجادلة المختتمة ببيان كون الكفّار والمنافقين حزب الشيطان ، وكون المؤمنين المخلصين حزب الله ، وأنّ الغلبة لله ولرسوله ، وذمّ المنافقين على موادّتهم لليهود ، نظمت سورة الحشر المبتدئة ببيان عظمة الله ، وكونه غالبا غير مغلوب ، وبيان غلبته على الكفّار وذلّتهم ، وبيان موالاة المنافقين لهم ، فابتدأها بذكر أسمائه الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾
ثمّ عظّم ذاته المقدّسة ببيان تسبيح جميع الموجودات له بقوله : ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ﴾ ونزّهه عن كلّ ما لا يليق به جميع ﴿ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ﴾ ذاتا وحالا ومقالا على حسبهم ، كما قال سبحانه: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ وقال ابن مسعود : كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل (١) .
ثمّ وصف ذاته المقدّسة بيانا لاستحقاقه التسبيح بالعزّة بقوله : ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ والغالب القاهر على كلّ شيء ، وبالحكمة البالغة بقوله : ﴿الْحَكِيمُ﴾ وتوطئته لبيان غلبته على أهل الكتاب وإذلالهم ، الذي هو من آثار عزّته ، وبيان إجلائهم الذي هو من مقتضيات حكمته بقوله : : ﴿هُوَ﴾ العزيز الغالب ﴿الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ﴾ وهم طائفة بني النّضير ﴿مِنْ دِيارِهِمْ﴾ وأوطانهم في الوقت المقدّر ﴿لِأَوَّلِ الْحَشْرِ﴾ والإخراج من مكانهم إلى الشام.
حكي أنّ بني النّضير وبني قريضة وبني قينقاع كانوا من أولاد هارون أخي موسى بن عمران ، نزلوا بيثرب ، واستوطنوا فيها انتظارا لبعثة النبي صلىاللهعليهوآله الموعود في التوراة ، فلمّا هاجر النبي صلىاللهعليهوآله من مكّة إلى المدينة ، عاهدهم على أن لا يكونوا له ولا عليه ، فلمّا ظهر صلىاللهعليهوآله يوم بدر قالوا فيما بينهم : هذا النبيّ إلى المدينة ، عاهدهم على أن لا له ولا عليه ، فلمّا ظهر صلّى الله عليه وله يوم بدر قالوا فيما بينهم : هذا النبيّ الموعود الذي نعته في التوراة أنه لا تردّ له راية ، فلمّا انكسر جيش النبي صلىاللهعليهوآله في احد ، شكّوا ونكثوا
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ٤١٥.