﴿تائِباتٍ﴾ من زلّاتهنّ ، و﴿عابِداتٍ﴾ لله مواضبات على الصلوات ، أو متذلّلات لأوامر الرسول ﴿سائِحاتٍ﴾ وصائمات ، يكون بعضهنّ ﴿ثَيِّباتٍ وَ﴾ بعضهنّ ﴿أَبْكاراً﴾ كما أنّ في أزواجه ثيّبات وبكر.
في فضيحة عائشة وحفصة وردّ بعض العامة
أقول : في ذكر الصفات في مقام بيان خيرية الأزواج إشعار بعدم اتّصاف عائشة وحفصة بجميع الصفات ، وإلّا لم يكنّ خيرا منهما ، وفيها ردّ على استدلال الفخر الرازي بآية ﴿الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ﴾(١) على كون عائشة مبرّأة من جميع العيوب (٢) ، والظاهر أنّ الله تبارك وتعالى أنزل السورة لتفضيحهما بين المؤمنين بكونهما مؤذيتين للنبي صلىاللهعليهوآله ومتظاهرتين عليه ، كما أنزل سورة المنافقين لتفضيح عبد الله بن ابي وأصحابه بين المؤمنين بكفرهم ومعارضتهم للنبي ، فلا يعبأ بما روته العامة من أنّ النبي صلىاللهعليهوآله لمّا طلّق حفصة قال له جبرئيل : ارجع إليها ، فانّها صوّامة قوّامة (٣) ، مع كون النبي صلىاللهعليهوآله أعلم بحالها من غيره ، وإنّما رجع إليها لدخالتها في الفتنة بعد الرسول صلىاللهعليهوآله.
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ
عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٦)﴾
ثمّ لمّا ذكر سبحانه عصيان زوجتي النبي صلىاللهعليهوآله وأمرهما بالتوبة أمر المؤمنين بحفظ نسائهم وأولادهم وأقربائهم من العصيان بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا﴾ واحفظوا ﴿أَنْفُسَكُمْ﴾ بطاعة الله وترك عصيانه ﴿وَأَهْلِيكُمْ﴾ من أزواجكم وأولادكم وأقاربكم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنّصح والعظة ﴿ناراً﴾ موقدة التي ﴿وَقُودُهَا﴾ وحطبها ما تشتعل به ﴿النَّاسُ﴾ الكفرة والعصاة ﴿وَالْحِجارَةُ﴾ عن ابن عباس هي حجارة الكبريت ؛ لأنّها أشدّ الأشياء حرّا إذا أوقد عليها (٤) . وقيل : حجارة الأصنام (٥) . وقيل : الذهب والفضّة الذين أصلهما الحجر (٦) .
تسلّط ﴿عَلَيْها﴾ بأمر ربّها تسعة عشر ﴿مَلائِكَةٌ غِلاظٌ﴾ أجرامهم وقلوبهم ، أو غلاظ أقوالهم ﴿شِدادٌ﴾ وجفاة وخشن على أعداء الله ، لم يخلق فيهم رحمة ورقة ، مطيعون لأمر الله ﴿لا يَعْصُونَ اللهَ﴾ ولا يخالفون ﴿ما أَمَرَهُمْ﴾ الله في تعذيب أعدائه ومخالفي أحكامه ﴿وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ﴾ من أنواع العذاب من غير توان وتأخير ، وبلا زيادة ونقصان.
__________________
(١) النور : ٢٤ / ٢٦.
(٢) تفسير الرازي ٢٣ : ١٩٥.
(٣) تفسير الرازي ٣٠ : ٤١ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٤٨.
(٤) تفسير الرازي ٣٠ : ٤٦.
(٥) تفسير روح البيان ٥٩ / ١٠.
(٦) تفسير روح البيان ١٠ / ٥٩.