﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا
وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢٠) و (٢١)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان أنّ الكفار والمنافقين الذين هم حزب الشيطان هم الخاسرون ، بيّن سبحانه أنّهم أذلّ خلق في الدنيا والآخرة ، وأنّ العزّة والغلبة لله ولرسوله بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ﴾ ويعارضون ﴿اللهَ وَرَسُولَهُ﴾ ويعاندونهما من الكفّار والمنافقين ، ﴿أُولئِكَ﴾ البعيدون من كلّ خير كائنون ﴿فِي﴾ زمرة ﴿الْأَذَلِّينَ﴾ من خلق الله ، فانّ ذلّ أحد الخصمين على حسب عزّ الخصم الآخر ، ومن الواضح أنّ عزّ الله لا نهاية له ، فلا بدّ أن يكون ذلّ خصومه لا نهاية له.
ثمّ بيّن سبحانه عزّ المؤمنين الذين هم حزبه بقوله : ﴿كَتَبَ اللهُ﴾ في اللّوح المحفوظ ، وقدّر في علمه والمكتوب فيه هو : والله ﴿لَأَغْلِبَنَ﴾ على الأعداء المجادلين والمعارضين ﴿أَنَا وَرُسُلِي﴾ بالحجّة لدى المحاجّة ، وبالسيف لدى المنازعة.
ثمّ بيّن سبحانه علّة تلك الغلبة بقوله : ﴿إِنَّ اللهَ قَوِيٌ﴾ لا يتصوّر فيه الضعف ، قدير لا يطرؤه العجز (١) . ﴿عَزِيزٌ﴾ وغالب على جميع الموجودات ، لا يمنعه مانع عن إنفاذ إرادته.
عن مقاتل : انّه قال المؤمنون : لئن فتح الله لنا مكة والطائف وخيبر وما حولهنّ ، رجونا أن يظهرنا الله على فارس والروم. فقال عبد الله بن ابي رئيس المنافقين : أتظنّون الروم وفارس كبعض القرى التي غلبتم عليها ، والله إنهم لأكثر عددا وأشدّ بطشا من أن تظنّوا فيهم ذلك ، فنزل قوله : ﴿كَتَبَ اللهُ ...﴾ الآية (٢) .
﴿لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا
آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَ
أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ
اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٢٢)﴾
ثمّ لمّا بيّن سبحانه حال المنافقين ، وأنّهم يتولّون اليهود وأهل الكتاب ، بيّن حال المؤمنين المخلصين بقوله : ﴿لا تَجِدُ﴾ يا محمّد ، ولا يمكن أن ترى ﴿قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ عن صميم القلب والخلوص من شوب النفاق ﴿يُوادُّونَ﴾ ويحابّون ﴿مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ﴾ ويعاندونهما ، كأهل الكتاب والمشركين ﴿وَلَوْ كانُوا﴾ هؤلاء المعاندون ﴿آباءَهُمْ﴾ الذين هم أكرم
__________________
(١) كذا ، والظاهر لا يطرؤ عليه العجز.
(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٤١٠.