سندس واستبرق يلبسونه ويتزيّنون به حال كونهم ﴿مُتَّكِئِينَ فِيها﴾ ومعتمدين كالسلاطين على الوسائد التي تكون ﴿عَلَى الْأَرائِكِ﴾ والسّرر الموضونة بقضبان الذهب والفضّة وأنواع الجواهر ، موضوعة في البيوت المزيّنة بالثياب والسّتور ، كذا قيل (١) .
﴿لا يَرَوْنَ﴾ اولئك الأبرار الساكنون في الجنة ﴿فِيها﴾ وقتا من الاوقات ﴿شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً﴾ ولا يحسّون حرا ولا بردا ، بل هواؤها في غاية الاعتدال في الحديث : « هواء الجنّة سجسج (٢) لا حرّ فيه ولا قرّ » (٣) .
روى بعض العامة عن ابن عباس أنّه قال : بينما أهل الجنّة في الجنّة إذ رأوا ضوء كضوء الشمس ، وقد أشرقت الجنان له ، فيقول أهل الجنّة : يا رضوان ، قال ربّنا عزوجل : ﴿لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً﴾. فيقول لهم رضوان : ليست هذه شمس ولا قمر ، ولكن هذه فاطمة وعلى ضحكا ضحكا أشرقت الجنان من نور ضحكهما ، وفيهما أنزل الله ﴿هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ﴾ إلى قوله : ﴿وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً﴾(٤) .
﴿وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً * وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ
وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا * قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً * وَيُسْقَوْنَ فِيها
كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً (١٤) و (١٧)﴾
ثمّ بيّن سبحانه حالهم من حيث الراحة بقوله : ﴿وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ﴾ أغصان أشجار الجنّة ، وقريبة منهم ﴿ظِلالُها﴾.
قيل : إنّ المراد لمن خاف ربّه جنتان : جنّة فيها حرير لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ، وجنة اخرى دانية عليهم ظلالها ، والمقصود أنّه لو كان فيها شمس كانت أشجارها مظلّة لهم (٥) .
﴿وَذُلِّلَتْ﴾ وقربت منهم ، أو انقادت لهم ﴿قُطُوفُها﴾ وثمارها ﴿تَذْلِيلاً﴾ تاما بحيث لا يصعب لمن يريدها اقتطافها في حال القيام والقعود والاضطجاع. عن البراء بن عازب ، قال : ذللت لهم فهم يتناولون منها كيف شاءوا ، فمن أكل قائما لم يؤذه ، ومن أكل جالسا لم يؤذه (٦) .
عن النبي صلىاللهعليهوآله : « ﴿ وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً﴾ من قربها منهم ، يتناول المؤمن من النوع الذي يشتهيه
__________________
(١) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٦٩.
(٢) يقال : يوم سجسج : لا حرّ فيه ولا برد.
(٣) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٧٠.
(٤) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٧٠ ، والآيات من سورة الانسان : ٧٦ / ١ - ٢٢.
(٥) تفسير ابى السعود ٩ : ٧٣ ، تفسير الرازي ٣٠ : ٢٤٩.
(٦) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٤٨.