الْجَنَّتَيْنِ دانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٢) و (٥٥)﴾
ثمّ وصف سبحانه الجنتين بغاية الصفاء والنّزاهة بقوله : ﴿فِيهِما عَيْنانِ﴾ من ماء غير آسن ﴿تَجْرِيانِ﴾ من جبل من مسك على ما قيل (١) ، وعن ابن عباس : تجريان بالماء الزّلال ، إحداهما التّسنيم ، والآخر السّلسبيل (٢) . قيل : تجري في كلّ جنة عين (٣) ، كما قال تعالى : ﴿فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ﴾(٤) . ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾.
ثمّ لمّا وصف الجنتين بغاية النّزاهة التي هي الأهمّ في نظر المتنعّمين ، وصفها باستجماعهما لجميع الفواكه بقوله : ﴿فِيهِما مِنْ كُلِ﴾ نوع من ﴿فاكِهَةٍ﴾ متصوّرة من الفواكه ﴿زَوْجانِ﴾ وصنفان : حلو وحامض ، أو رطب ويابس ، أو معهود وغير معهود.
عن ابن عباس : ما في الدنيا حلوة ولا مرّة إلّا وهي في الجنّة حتى الحنظل ، إلّا أنه حلو (٥) ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾.
ثمّ بيّن سبحانه حال استراحة الخائفين في الجنّة بقوله : ﴿مُتَّكِئِينَ﴾ ومعتمدين كالملوك حال جلوسهم ﴿عَلى فُرُشٍ﴾ مبسوطة تحتهم بعضها على بعض ، وتلك الفرش ﴿بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ﴾ وديباج ثخين ، فما ظنكم بظهائرها التي لا بدّ أن تكون أعلى وأشرف من البطائنّ قيل : إنّ ظهائرها من سندس (٦) وحرير رقيق ، وقيل : من نور (٧)﴿وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ﴾ وثمارها التي تقطف ﴿دانٍ﴾ وقريب بحيث يجتنى في كلّ حال بلا كلفة القيام والمشي واستعمال الآلة.
عن ابن عباس. قال : تدنو الشجرة حتى يجتنيها ولي الله ، إن شاء قائما ، وإن شاء قاعدا وإن شاء مضطجعا (٨) ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾.
﴿فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما
تُكَذِّبانِ * كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ * هَلْ جَزاءُ
الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٦) و (٦١)﴾
ثمّ وصف سبحانه أزواجهم في الجنة بقوله : ﴿فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ﴾ على أزواجهن ، لا تتجاوز أعينهنّ إلى غيرهم ، ولا ينظرن إلى سواهم لشدّة حبّهن لهم. قيل : تقول كلّ منهنّ لزوجها : وعزّة ربّي
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٨ : ١٨٤ ، تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٦.
(٢و٣) تفسير أبي السعود ٨ : ١٨٤ ، تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٦.
(٤) الغاشية : ٨٨ / ١٢.
(٥) تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٦ و٣٠٧.
(٦-٨) تفسير أبي السعود ٨ : ١٨٥ ، تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٧.