فقالوا في كلّ ذلك : اللهمّ لا ثمّ قالوا : فما هو ؟ وما تقول في حقّه ؟ ففكّر فقال : ما هو إلّا ساحر ، أما رأيتموه يفرّق بين الرجل وأهله وولده ومواليه ، وما الذي يقوله إلّا سحر يأثره عن مسيلمة وعن أهل بابل ، فارتجّ النادي فرحا ، فتفرّقوا متعجّبين منه راضين به (١) .
وعن القمي : نزلت في الوليد بن المغيرة : وكان شيخا كبيرا مجرّبا من دهاة العرب ، وكان من المستهزئين برسول الله صلىاللهعليهوآله ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يقعد في الحجرة ويقرأ القرآن ، فاجتمعت قريش إلى الوليد بن المغيرة ، فقالوا : يا أبا عبد شمس ، ما هذا الذي يقول محمد ، أشعر ، أم كهانة ، أم خطب ؟ فقال : دعوني أسمع كلامه ، فدنا من رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال : يا محمد ، أنشدني من شعرك ، فقال : « ما هو شعر ، ولكنّه كلام الله الذي ارتضاه لملائكته وأنبيائه ورسله » فقال : اتل عليّ منه شيئا فقرأ عليه رسول الله صلىاللهعليهوآله : حم السجدة ، فلمّا بلغ قوله : ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا*﴾ يا محمد قريش ﴿فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ﴾(٢) فاقشعر الوليد ، وقامت كلّ شعرة في رأسه ولحيته ، ومرّ إلى بيته ، ولم يرجع إلى قريش من ذلك.
ومشوا إلى أبي جهل فقالوا : يا أبا الحكم ، إنّ أبا عبد شمس صبأ إلى دين محمد ، أما تراه لم يرجع إلينا. فغدا أبو جهل إلى الوليد ، وقال له : يا عم ، نكّست رؤوسنا وفضحتنا ، وأشمت بنا عدوّنا ، وصبوت إلى دين محمد ! فقال : ما صبوت إلى دينه ، ولكنّي سمعت كلاما صعبا ، تقشعرّ منه الجلود. فقال له أبو جهل : أخطب هو ؟ قال : لا. إنّ الخطب كلام متصل ، وهذا كلام منثور ، ولا يشبه بعضه بعضا. قال : أفشعر هو ؟ قال : لا ، أما انّى سمعت أشعار العرب بسيطها ومديدها ورملها ورجزها ، ما هو بشعر. قال : فما هو ؟ قال : دعني أفكّر فيه.
فلمّا كان من الغد قال له : يا أبا عبد شمس ، ما تقول فيما قلنا ؟ قال : قولوا هو سحر ، فانّه أخذ بقلوب الناس ، فأنزل الله على رسوله : ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً﴾ وإنّما سمّي وحيدا لأنّه قال لقريش : أنا أتوحّد بكسوة البيت سنة ، وعليكم في جماعتكم سنة. وكان له مال كثير وحدائق ، وكان له عشر بنين بمكّة ، وكان له عشرة عبيد ، عند كلّ [ عبد ] ألف دينار يتجر بها (٣) .
﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْها
تِسْعَةَ عَشَرَ * وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً
__________________
(١) جوامع الجامع : ٥١٧ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٤٨ ، تفسير أبي السعود ٩ : ٥٧ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٢٩.
(٢) فصلت : ٤١ / ١٣.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٣٩٣ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٤٧.