ثمّ عمّم الحكم بقوله : ﴿وَلا أَدْنى﴾ وأقلّ ﴿مِنْ ذلِكَ﴾ العدد كالاثنين والواحد ﴿وَلا أَكْثَرَ﴾ منه كالستة وما فوقها ﴿إِلَّا هُوَ﴾ تعالى ﴿مَعَهُمْ﴾ بالعلم والاحاطة لا يخفى عليه نجواهم ﴿أَيْنَ ما كانُوا﴾ وفي أيّ مكان اجتمعوا وتناجوا ﴿ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ﴾ ويخبرهم ﴿بِما عَمِلُوا﴾ من خير أو شرّ ، وطاعة أو عصيان ﴿يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ تفضيحا للعصاة ، وتوبيخا لهم ، وتشهيرا لفضل المطيعين ، وتبشيرا لهم بالكرامة ﴿إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ﴾ من الأشياء والأعمال الجليات والخفيّات ﴿عَلِيمٌ﴾ ومحيط.
ثمّ روي أنّ اليهود والمنافقين كانوا يتناجون فيما بينهم ، ويجتمعون ثلاثة وخمسة ، ويتغامزون بأعينهم إذا رأوا المؤمنين ، يريدون أن يغيضوهم ، فنهاهم النبي صلىاللهعليهوآله ، ثمّ عادوا لمثل فعلهم (١) ، فوبّخهم الله سبحانه على ذلك بقوله : ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ يا محمد ، ولم تنظر ﴿إِلَى الَّذِينَ نُهُوا﴾ من جانب الله ﴿عَنِ النَّجْوى﴾ والمكالمة سرّا ﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ﴾ من النجوى ويكرّرونه.
ثمّ بيّن سبحانه النجوى التي نهوا عنها (٢) بقوله : ﴿وَيَتَناجَوْنَ﴾ ويسارون بينهم ﴿بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ﴾ للمؤمنين من المكر بهم أو بشيء يسوؤهم ﴿وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ﴾ في نهيه عن النجوى ﴿وَإِذا جاؤُكَ﴾ يا محمّد ﴿حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ﴾ قيل : كانوا يقولون : السام عليك ، ويريدون بالسام الموت أو القتل بالسيف ، ويوهمون أنّهم يقولون : السّلام عليك (٣) . وقيل : كانوا يقولون : أنعم صباحا ، وهو تحية الجاهلية ، وتحية الله للمرسلين هي السّلام (٤) . ﴿وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ﴾ وفيما بينهم إذا خرجوا من عندك : ﴿لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ﴾ وهلّا يبتلينا بالعقوبة ﴿بِما نَقُولُ﴾ من الدعاء بالشرّ ، أو تحيّة الجاهلية ؟
ثمّ ردّهم الله بقوله : ﴿حَسْبُهُمْ﴾ وكافيهم ﴿جَهَنَّمُ﴾ في التعذيب ، فانّهم يوم القيامة ﴿يَصْلَوْنَها﴾ ويدخلونها بعنف ويقاسون حرّها لا محالة ﴿فَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ والمرجع لهم جهنّم.
روي أنّ عائشة سمعت قول اليهود ، فقالت : عليكم السام والذامّ واللعن. فقال النبي صلىاللهعليهوآله : « يا عائشة ، ارفقي فانّ الله يحبّ الرّفق في كلّ شيء ، ولا يحبّ الفحش والتفحّش ، ألا سمعت ما رددت عليهم ، قلت : عليكم ، فيستجاب لي منهم » (٥) .
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ
__________________
(١) تفسير البيضاوي ٢ : ٤٧٥ ، تفسير روح البيان ٩ : ٤٠٠.
(٢) في النسخة : الذي نهوا عنه.
(٣) تفسير روح البيان ٩ : ٤٠٠.
(٤) تفسير البيضاوي ٢ : ٤٧٥ ، تفسير روح البيان ٩ : ٤٠٠.
(٥) تفسير روح البيان ٩ : ٤٠٠ و٤٠١.