السجاد عليهالسلام ما يقرب منه (١) .
﴿أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٣) و (٦٤)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد الاستدلال على المعاد بقدرته على الخلق الأول ، استدلّ بقدرته على خلق ما يحتاجون إليه في بقائهم من المأكول بقوله : ﴿أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ﴾ وأخبروني عمّا تبذرون من الحبوب كالحنطة والشعير ونحوهما ﴿أَأَنْتُمْ﴾ بقدرتكم ﴿تَزْرَعُونَهُ﴾ وتنبتونه من الأرض ، وتبلغونه إلى الثمر المقصود ﴿أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾ والمنبتون له من الأرض ، والمبلغون له إلى الثمر بحيث تنتفعون به وتأكلونه؟
في الحديث « لا يقولنّ أحدكم : زرعت ، بل يقول : حرثت ، فانّ الزارع هو الله تعالى » (٢) .
قيل : يستحبّ لمن ألقى في الأرض بذرا أن يقرأ بعد الاستعاذة : ﴿أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ﴾ إلى قوله : ﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾(٣) ثمّ يقول الله الزارع والمنبت والمبلغ اللهم صلّ على محمد وآل محمد ، وارزقنا ثمره ، واجنبنا ضرره ، واجعلنا لأنعمك من الشاكرين فانّ الدعاء أمان لذلك الزرع من جميع الآفات(٤) .
وحاصل الآية أنّ من قدر على إنبات الزرع من الأرض ، قادر على خلق الانسان من النّطفة المستديرة الباقية في القبر.
﴿لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ
* أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ
الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ (٦٥) و (٧٠)﴾
ثمّ استدلّ سبحانه على قدرته على حفظ الزرع إلى بلوغ الثمر بقوله : ﴿لَوْ نَشاءُ﴾ بعد إنبات الزرع واستوائه على سوقه ﴿لَجَعَلْناهُ﴾ وصيّرناه ﴿حُطاماً﴾ ويابسا منكسرا متفتّتا ﴿فَظَلْتُمْ﴾ وبقيتم بسبب فساد زرعكم ﴿تَفَكَّهُونَ﴾ وتتحدّثون بعجيب ما رأيتم من فساد الزرع بعد ما كان على أحسن الحال من النمو والاشراف على الثمر ، أو تندمون على ما انفقتم فيه ، وما بذلتم فيه من غاية الجهد ، وتقولون : يا قوم ﴿إِنَّا لَمُغْرَمُونَ﴾ ومتضرّرون بفساد زرعنا أو مهلكون بهلاك رزقنا ﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾ من
__________________
(١) الكافي ٣ : ٢٥٨ / ٢٨ ، تفسير الصافي ٥ : ١٢٧.
(٢) مجمع البيان ٩ : ٣٣٧ ، تفسير الصافي ٥ : ١٢٧ ، تفسير روح البيان ٩ : ٣٣٢.
(٣) الواقعة : ٥٦ / ٦٧.
(٤) تفسير روح البيان ٩ : ٣٣٢.